(وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٥٩) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٦٠)
____________________________________
والله تعالى أعلم بحال الظالمين وبأنهم مستحقون للإمهال بطريق الاستدراج لتشديد العذاب ولذلك لم يفوض الأمر إلى فلم يقض الأمر بتعجيل العذاب والله أعلم (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) بيان لاختصاص المقدورات الغيبية به تعالى من حيث العلم إثر بيان اختصاص كلها به تعالى من حيث القدرة والمفاتح إما جمع مفتح بفتح الميم وهو المخزن فهو مستعار لمكان الغيب كأنها مخازن خزنت فيها الأمور الغيبية يغلق عليها ويفتح وإما جمع مفتح بكسرها وهو المفتاح ويؤيده قراءة من قرأ مفاتيح الغيب فهو مستعار لما يتوصل به إلى تلك الأمور بناء على الاستعارة الأولى أى عنده تعالى خاصة خزائن غيوبه أو ما يتوصل به إليها وقوله عزوجل (لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) تأكيد لمضمون ما قبله وإيذان بأن المراد هو الاختصاص* من حيث العلم لا من حيث القدرة والمعنى أن ما تستعجلونه من العذاب ليس مقدورا لى حتى ألزمكم بتعجيله ولا معلوما لدى لأخبركم وقت نزوله بل هو مما يختص به تعالى قدرة وعلما فينزله حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح وقوله تعالى (وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) بيان لتعلق علمه تعالى بالمشاهدات* إثر بيان تعلقه بالمغيبات تكملة له وتنبيها على أن الكل بالنسبة إلى علمه المحيط سواء فى الجلاء أى يعلم ما فيهما من الموجودات مفصلة على اختلاف أجناسها وأنواعها وتكثر أفرادها وقوله تعالى (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها) بيان لتعلقه بأحوالها المتغيرة بعد بيان تعلقه بذواتها فإن تخصيص حال السقوط بالذكر ليس إلا بطريق الاكتفاء بذكرها عن ذكر سائر الأحوال كما أن ذكر حال الورقة وما عطف عليها خاصة دون أحوال سائر ما فيهما من فنون الموجودات الفائتة للحصر باعتبار أنها أنموذج لأحوال سائرها وقوله تعالى (وَلا حَبَّةٍ) عطف على (وَرَقَةٍ) وقوله تعالى (فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ) متعلق بمحذوف هو صفة لحبة* مفيدة لكمال نفوذ علمه تعالى أى ولا حبة كائنة فى بطون الأرض إلا يعلمها وكذا قوله تعالى (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ) معطوفان عليها داخلان فى حكمها وقوله تعالى (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) بدل من الاستثناء الأول بدل الكل على أن الكتاب المبين عبارة عن علمه تعالى أو بدل الاشتمال على أنه عبارة عن اللوح المحفوظ وقرىء الأخيران بالرفع عطفا على محل من ورقة وقيل رفعهما بالابتداء والخبر إلا فى كتاب مبين وهو الأنسب بالمقام لشمول الرطب واليابس حينئذ لما ليس من شأنه السقوط وقد نقل قراءة الرفع فى ولا حبة أيضا (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) أى ينيمكم فيه على استعارة التوفى من الإماتة للإنامة لما بين الموت والنوم من المشاركة فى زوال الإحساس والتمييز وأصله قبض الشىء بتمامه (وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) أى ما كسبتم*