(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) (٦١)
____________________________________
فيه والمراد بالليل والنهار الجنس المتحقق فى كل فرد من أفرادهما إذ بالتوفى والبعث الموجدين فيها يتحقق قضاء الأجل المسمى المترتب عليها لا فى بعضها والمراد بعلمه تعالى ذلك علمه قبل الجرح كما يلوح به تقديم ذكره على البعث أى يعلم ما تجرحون بالنهار وصيغة الماضى للدلالة على التحقق وتخصيص التوفى بالليل* والجرح بالنهار مع تحقق كل منهما فيما خص بالآخر للجرى على سنن العادة (ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ) أى يوقظكم فى النهار عطف على (يَتَوَفَّاكُمْ) وتوسيط قوله تعالى (وَيَعْلَمُ) الخ بينهما لبيان ما فى بعثهم من عظيم الإحسان إليهم بالتنبيه على أن ما يكتسبونه من السيئات مع كونها موجبة لإبقائهم على التوفى بل لإهلاكهم بالمرة يفيض عليهم الحياة ويمهلهم كما ينبىء عنه كلمة التراخى كأنه قيل هو الذى يتوفاكم فى جنس الليالى ثم يبعثكم* فى جنس النهر مع علمه بما ستجرحون فيها (لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى) معين لكل فرد فرد بحيث لا يكاد يتخطى* أحد ما عين له طرفة عين (ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) أى رجوعكم بالموت لا إلى غيره أصلا (ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بالمجازاة بأعمالكم التى كنتم تعملونها فى تلك الليالى والأيام وقيل الخطاب مخصوص بالكفرة والمعنى أنكم ملقون كالجيف بالليل كاسبون للآثام بالنهار وأنه تعالى مطلع على أعمالكم يبعثكم الله من القبور فى شأن ما قطعتم به أعماركم من النوم بالليل وكسب الآثام بالنهار ليقضى الأجل الذى سماه وضربه لبعث الموتى وجزائهم على أعمالهم وفيه ما لا يخفى من التكلف والإخلال لإفضائه إلى كون البعث معللا بقضاء الأجل المضروب له (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) أى هو المتصرف فى أمورهم لا غيره يفعل بهم* ما يشاء إيجادا وإعداما وإحياء وأماتة وتعذيبا وإثابة إلى غير ذلك (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ) خاصة أيها المكلفون* (حَفَظَةً) من الملائكة وهم الكرام الكاتبون وعليكم متعلق بيرسل لما فيه من معنى الاستيلاء وتقديمه على المفعول الصريح لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر وقيل متعلق بمحذوف هو حال من حفظه إذ لو تأخر لكان صفة أى كائنين عليكم وقيل متعلق بحفظة والمحفوظ محذوف على كل حال أى يرسل عليكم ملائكة يحفظون أعمالكم كائنة ما كانت وفى ذلك حكمة جميلة ونعمة جليلة لما أن المكلف إذا علم أن أعماله تحفظ عليه وتعرض على رءوس الإشهاد كان ذلك أزجر له عن تعاطى المعاصى والقبائح وأن العبد إذا وثق بلطف سيده واعتمد على عفوه وستره لم يحتشمه احتشامه من خدمه الواقفين على* أحواله وحتى فى قوله تعالى (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) هى التى يبتدأ بها الكلام وهى مع ذلك تجعل ما بعدها من الجملة الشرطية غاية لما قبلها كأنه قيل ويرسل عليكم حفظة يحفظون أعمالكم مدة حياتكم* حتى إذا انتهت مدة أحدكم كائنا من كان وجاءه أسباب الموت ومباديه (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) الآخرون المفوض إليهم ذلك وهم ملك الموت وأعوانه وانتهى هناك حفظ الحفظة وقرىء توفاه ماضيا أو مضارعا بطرح* إحدى التاءين (وَهُمْ) أى الرسل (لا يُفَرِّطُونَ) أى بالتوانى والتأخير وقرىء مخففا من الإفراط أى