(يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ) (١٠٩)
____________________________________
(يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ) نصب على أنه بدل اشتمال من مفعول اتقوا لما بينهما من الملابسة فإن مدار البدلية ليس ملابسة الظرفية والمظروفية ونحوها فقط بل هو تعلق ما مصحح لانتقال الذهن من المبدل منه إلى البدل بوجه إجمالى كما فيما نحن فيه فإن كونه تعالى خالق الأشياء كافة مالك يوم الدين خاصة كاف فى الباب مع أن الأمر بتقوى الله تعالى يتبادر منه إلى الذهن أن المتقى أى شأن من شئونه وأى فعل من أفعاله وقيل هناك مضاف محذوف به يتحقق الاشتمال أى اتقوا عقاب الله فحينئذ يجوز انتصابه منه بطريق الظرفية وقيل منصوب بمضمر معطوف على اتقوا وما عطف عليه أى واحذروا أو اذكروا يوم الخ فإن تذكير ذلك اليوم الهائل مما يضطرهم إلى تقوى الله عزوجل وتلقى أمره بسمع الإجابة والطاعة وقيل هو ظرف لقوله تعالى (لا يَهْدِي) أى لا يهديهم يومئذ إلى طريق الجنة كما يهدى إليه المؤمنين وقيل منصوب بقوله تعالى (وَاسْمَعُوا) بحذف مضاف أى اسمعوا خبر ذلك اليوم وقيل منصوب بفعل مؤخر قد حذف الدلالة على ضيق العبارة عن شرحه وبيانه لكمال فظاعة ما يقع فيه من الطامة التامة والدواهى العامة كأنه قيل يوم يجمع الله الرسل فيقول الخ يكون من الأحوال والأهوال ما لا يفى ببيانه نطاق المقال وإظهار الاسم الجليل فى موضع الإضمار لتربية المهابة وتشديد التهويل وتخصيص الرسل بالذكر ليس لاختصاص الجمع بهم دون الأمم كيف لا وذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وقد قال الله تعالى (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) بل لإبانة شرفهم وأصالتهم والإيذان بعدم الحاجة إلى التصريح بجمع غيرهم بناء على ظهور كونهم أتباعا لهم ولإظهار سقوط منزلتهم وعدم لياقتهم بالانتظام فى سلك جمع الرسل كيف لا وهم عليهمالسلام يجمعون على وجه الإجلال وأولئك يسحبون على وجوههم بالأغلال (فَيَقُولُ) لهم* مشيرا إلى خروجهم عن عهدة الرسالة كما ينبغى حسبما يعرب عنه تخصيص السؤال بجواب الأمم إعرابا* واضحا وإلا لصدر الخطاب بأن يقال هل بلغتم رسالاتى وماذا فى قوله عزوجل (ما ذا أُجِبْتُمْ) عبارة عن* مصدر الفعل فهو نصب على المصدرية أى أى إجابة أجبتم من جهة أممكم إجابة قبول أو إجابة رد وقيل عبارة عن الجواب فهو فى محل النصب بعد حذف الجار عنه أى بأى جواب أجبتم وعلى التقديرين ففى توجيه السؤال عما صدر عنهم وهم شهود إلى الرسل عليهمالسلام كسؤال المومودة بمحضر من الوائد والعدول عن إسناد الجواب إليهم بأن يقال ما ذا أجابوا من الأنباء عن كمال تحقير شأنهم وشدة الغيظ والسخط عليهم مالا يخفى (قالُوا) استئناف مبنى على سؤال نشأ من سوق الكلام كأنه قيل فماذا يقول* الرسل عليهمالسلام هنالك فقيل يقولون (لا عِلْمَ لَنا) وصيغة الماضى للدلالة على التقرر والتحقق كما فى* قوله تعالى (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ) ونظائرهما وإنما يقولون ذلك تفويضا للأمر إلى علمه تعالى وإحاطته بما اعتراهم من جهتهم من مقاساة الأهوال ومعاناة الهموم والأوجال وعرضا لعجزهم عن بيانه لكثرته وفظاعته (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) تعليل لذلك أى فتعلم ما أجابوا وأظهروا* لنا وما لم نعلمه مما أضمروه فى قلوبهم وفيه إظهار للشكاة ورد للأمر إلى علمه تعالى بما لقوا من قبلهم من