(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ) (١١٠)
____________________________________
الخطوب وكابدوا من الكروب والتجاء إلى ربهم فى الانتقام منهم وقيل المعنى لا علم لنا بما أحدثوا بعدنا وإنما الحكم للخاتمة ورد ذلك بأنهم يعرفونهم بسيماهم فكيف يخفى عليهم أمرهم وأنت خبير بأن مرادهم حينئذ أن بعضهم كانوا فى زمانهم على الحق ثم صاروا كفرة وعن ابن عباس ومجاهد والسدى رضى الله عنهم أنهم يفزعون من أول الأمر ويذهلون عن الجواب ثم يجيبون بعد ما ثابت إليهم عقولهم بالشهادة على أممهم ولا يلائمه التعليل المذكور وقيل المراد به المبالغة فى تحقيق فضيحتهم وقرىء علام الغيوب بالنصب على النداء أو الاختصاص بالمدح على أن الكلام قد تم عند قوله تعالى (أَنْتَ) أى إنك أنت المنعوت نعرت كمالك المعروف بذلك (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) شروع فى بيان ما جرى بينه تعالى وبين واحد من الرسل المجموعين من المفاوضة على التفصيل إثر بيان ما جرى بينه تعالى وبين الكل على وجه الإجمال ليكون ذلك كالأنموذج لتفاصيل أحوال الباقين وتخصيص شأن عيسى عليهالسلام بالبيان تفصيلا من بين شئون سائر الرسل عليهمالسلام مع دلالتها على كمال هول ذلك اليوم ونهاية سوء حال المكذبين بالرسل لما أن شأنه عليهالسلام متعلق بكلا الفريقين من أهل الكتاب الذين نعيت عليهم فى السورة الكريمة جناياتهم فتفصيله أعظم عليهم وأجلب لحسرتهم وندامتهم وأفت فى أعضادهم وأدخل فى صرفهم عن غيهم وعنادهم وإذ بدل من يوم يجمع الله الخ وصيغة الماضى لما ذكر من الدلالة على تحقق الوقوع* وإظهار الاسم الجليل فى مقام الإضمار لما مر من المبالغة فى التهويل وكلمة على فى قوله تعالى (اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ) متعلقة بنفس النعمة إن جعلت مصدرا أى اذكر إنعامى عليكما أو بمحذوف هو حال منها إن جعلت اسما أى اذكر نعمتى كائنة عليكما وليس المراد بأمره عليهالسلام يومئذ بذكر النعمة المنتظمة فى سلك التعديد تكليفه عليهالسلام شكرها والقيام بمواجبها ولات حين تكليف مع خروجه عليهالسلام عن عهدة الشكر فى أوانه أى خروج بل إظهار أمره عليهالسلام بتعداد تلك النعم حسبما بينه الله تعالى اعتدادا بها وتلذذا بذكرها على رءوس الأشهاد لتكون حكاية ذلك على ما أنبأ عنه النظم الكريم توبيخا ومزجرة للكفرة المختلفين فى شأنه عليهالسلام إفراطا وتفريطا وإبطالا لقولهما جميعا* (إِذْ أَيَّدْتُكَ) ظرف ل (نِعْمَتِي) أى اذكر إنعامى عليكما وقت تأييدى لك أو حال منها أى اذكرها كائنة وقت* تأييدى لك وقرىء آيدتك والمعنى واحد أى قويتك (بِرُوحِ الْقُدُسِ) بجبريل عليهالسلام لتثبيت الحجة