(قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلاَّ ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (١٨٩)
____________________________________
* استتباعها لصفات الكمال التى من جملتها العلم وتمهيدا للتعريض بجهلهم بقوله تعالى (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أى لا يعلمون ما ذكر من اختصاص علمها به تعالى فبعضهم ينكرونها رأسا فلا يعلمون شيئا مما ذكر قطعا وبعضهم يعلمون أنها واقعة البتة ويزعمون أنك واقف على وقت وقوعها فيسألونك عنه جهلا وبعضهم يدعون أن العلم بذلك من مواجب الرسالة فيتخذون السؤال عنه ذريعة إلى القدح فى رسالتك والمستثنى من هؤلاء هم الواقفون على جلية الحال من المؤمنين وأما السائلون عنها من اليهود بطريق الامتحان فهم منتظمون فى سلك الجاهلين حيث لم يعملوا بعلمهم وقوله تعالى (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا) شروع فى الجواب عن السؤال ببيان عجزه عن علمها إثر بيان عجز الكل عنه وإبطال زعمهم الذى بنوا عليه سؤالهم من كونه صلىاللهعليهوسلم ممن يعلمها وإعادة الأمر لإظهار كمال العناية بشأن الجواب والتنبيه على استقلاله ومغايرته للأول والتعرض لبيان عجزه عما ذكر من النفع والضر لإثبات عجزه عن علمها بالطريق البرهانى واللام إما متعلق بأملك أو بمحذوف وقع حالا من نفعا أى لا أقدر لأجل نفسى* على جلب نفع ما ولا على دفع ضر ما (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) أن أملكه من ذلك بأن يلهمنيه فيمكننى منه* ويقدرنى عليه أو لكن ما شاء الله من ذلك كائن فالاستثناء منقطع وهذا أبلغ فى إظهار العجز (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ) أى جنس الغيب الذى من جملته ما بين الأشياء من المناسبات المصححة عادة للسببية والمسببية* ومن المباينات المستتبعة للممانعة والمدافعة (لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) أى لحصلت كثيرا من الخير الذى* نيط تحصيله بالأفعال الاختيارية للبشر بترتيب أسبابه ودفع موانعه (وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) أى السوء الذى* يمكن التفصى عنه بالتوقى عن موجباته والمدافعة بموانعه لا سوء ما فإن منه ما لا مدفع له (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) أى ما أنا إلا عبد مرسل للإنذار والبشارة شأنى حيازة ما يتعلق بهما من العلوم الدينية والدنيوية لا الوقوف على الغيوب التى لا علاقة بينها وبين الأحكام والشرائع وقد كشفت من أمر الساعة ما يتعلق به الإنذار من مجيئها لا محالة واقترابها وأما تعيين وقتها فليس مما يستدعيه الإنذار بل هو مما يقدح فيه لما مر من أن إبهامه أدعى إلى الانزجار عن المعاصى وتقديم النذير على البشير لما أن المقام مقام الإنذار* وقوله تعالى (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) إما متعلق بهما جميعا لأنهم ينتفعون بالإنذار كما ينتفعون بالبشارة وإما بالبشير فقط وما يتعلق بالنذير محذوف أى نذير للكافرين أى الباقين على الكفر وبشير لقوم يؤمنون أى فى أى وقت كان ففيه ترغيب للكفرة فى إحداث الإيمان وتحذير عن الإصرار على الكفر والطغيان (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ) استئناف سبق لبيان كمال عظم جناية الكفرة فى جراءتهم على الإشراك بتذكير مبادى