أحوالهم المنافية له وإيقاع الموصول خبرا لتفخيم شأن المبتدأ أى هو ذلك العظيم الشأن الذى خلقكم جميعا وحده من غير أن يكون لغيره مدخل فى ذلك بوجه من الوجوه (مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) هو آدم عليه الصلاة* والسلام وهذا نوع تفصيل لما أشير إليه فى مطلع السورة الكريمة إشارة إجمالية من خلقهم وتصويرهم فى ضمن خلق آدم وتصويره وبيان لكيفيته (وَجَعَلَ) عطف على (خَلَقَكُمْ) داخل فى حكم الصلة ولا ضير* فى تقدمه عليه وجودا لما أن الواو ولا تستدعى الترتيب فى الوجود (مِنْها) أى من جنسها كما فى قوله تعالى* (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) أو من جسدها لما يروى أنه تعالى خلق حواء من ضلع من أضلاع آدم عليه الصلاة والسلام والأول هو الأنسب إذ لجنسية هى المؤدية إلى الغاية الآتية لا الجزئية والجعل إما بمعنى التصيير فقوله تعالى (زَوْجَها) مفعوله الأول والثانى هو الظرف المقدم وإما بمعنى الإنشاء والظرف متعلق* بجعل قدم على المفعول الصريح لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر أو بمحذوف هو حال من المفعول والأول هو الأولى وقوله تعالى (لِيَسْكُنَ إِلَيْها) علة غائية للجعل باعتبار تعلقه بمفعوله* الثانى أى ليستأنس بها ويطمئن إليها اطمئنانا مصححا للازدواج كما يلوح به تذكير الضمير ويفصح عنه قوله تعالى (فَلَمَّا تَغَشَّاها) أى جامعها (حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً) فى مبادىء الأمر فإنه عند كونه نطفة أو علقة* أو مضغة أخف عليها بالنسبة إلى ما بعد ذلك من المراتب والتعرض لذكر خفته للإشارة إلى نعمته تعالى عليهم فى إنشائه تعالى إياهم متدرجين فى أطوار الخلق من العدم إلى الوجود ومن الضعف إلى القوة (فَمَرَّتْ بِهِ) أى فاستمرت به كما كانت قبل حيث قامت وقعدت وأخذت وتركت وعليه قراءة ابن عباس* رضى الله تعالى عنهما وقرىء فمرت بالتخفيف وفمارت من المور وهو المجىء والذهاب أو من المرية فظنت الحمل وارتابت به وأما ما قيل من أن المعنى حملت حملا خف عليها ولم تلق منه ما يلقى بعض الحبالى من حملهن من الكرب والأذية ولم تستثقله كما يستثقلنه فمرت به أى فمضت به إلى ميلاده من غير إخداج ولا إزلاق فيرده قوله تعالى (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) إذ معناه فلما صارت ذات ثقل لكبر الولد فى بطنها ولا ريب* فى أن الثقل بهذا المعنى ليس مقابلا للخفة بالمعنى المذكور إنما يقابلها الكرب الذى يعترى بعضهن من أول الحمل إلى آخره دون بعض أصلا وقرىء أثقلت على البناء للمفعول أى أثقلها حملها (دَعَوَا اللهَ) أى* آدم وحواء عليهماالسلام لما دهمهما أمر لم يعهداه ولم يعرفا مآله فاهتما به وتضرعا إليه عزوجل وقوله تعالى (رَبَّهُما) أى مالك أمرهما الحقيق بأن يخص به الدعاء إشارة إلى أنهما قد صدرا به دعاءهما كما فى قولهما ربنا ظلمنا أنفسنا الآية ومتعلق الدعاء محذوف تعويلا على شهادة الجملة القسمية به أى دعواه تعالى أن يؤتيهما صالحا ووعدا بمقابلته الشكر على سبيل التوكيد القسمى وقالا أو قائلين (لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً) * أى ولدا من جنسنا سويا (لَنَكُونَنَّ) نحن ومن يتناسل من ذريتنا (مِنَ الشَّاكِرِينَ) الراسخين فى الشكر* على نعمائك التى من جملتها هذه النعمة وترتيب هذا الجواب على الشرط المذكور لما أنهما قد علما أن ما علقا به دعاءهما أنموذج لسائر أفراد الجنس ومعيار لها ذاتا وصفة وجوده مستتبع لوجودها وصلاحه مستلزم لصلاحها فالدعاء فى حقه متضمن للدعاء فى حق الكل مستتبع له كأنهما قالا لئن آتيتنا وذريتنا أولادا صالحة وقيل إن ضمير (آتَيْتَنا) أيضا لهما ولكل من يتناسل من ذريتهما فالوجه ظاهر وأنت خبير بأن نظم الكل