(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (٦٧)
____________________________________
ما فيهما من الأحكام التى من جملتها شواهد نبوة النبى صلىاللهعليهوسلم ومبشرات بعثته فإن إقامتهما إنما تكون بذلك لا بمراعاة جميع ما فيهما من الأحكام لا نتساخ بعضها بنزول القرآن فليست مراعاة الكل من إقامتهما فى* شىء (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ) من القرآن المجيد المصدق لكتبهم وإيراده بهذا العنوان للإيذان بوجوب إقامته عليهم لنزوله إليهم وللتصريح ببطلان ما كانوا يدعونه من عدم نزوله إلى بنى إسرائيل وتقديم إليهم لما مر من قبل وفى إضافة الرب إلى ضميرهم مزبد لطف بهم فى الدعوة إلى الإقامة وقيل المراد بما أنزل إليهم كتب أنبياء بنى إسرائيل مثل كتاب شعياء وكتاب حنقوق وكتاب دانيال فإنها مملوءة بالبشارة بمبعثه صلىاللهعليهوسلم* (لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) أى لوسع عليهم أرزاقهم بأن يفيض عليهم بركات السماء والأرض أو بأن يكثر ثمرات الأشجار وغلال الزروع أو بأن يرزقهم الجنان اليانعة الثمار فيجتنوا ما تهدل منها من رءوس الأشجار ويلتقط واما تساقط منها على الأرض وقيل المراد المبالغة فى شرح السعة والخصب لا تعيين الجهتين كأنه قيل لأكلوا من كل جهة ومفعول أكلوا محذوف لقصد التعميم أو للقصد إلى نفس الفعل كما فى قوله فلان يعطى ويمنع ومن فى الموضعين لابتداء الغاية وفى هاتين الشرطيتين من حثهم على ما ذكر من الإيمان والتقوى والإقامة بالوعد بنيل سعادة الدارين وزجرهم عن الإخلال به بما ذكر ببيان إفضائه إلى الحرمان عنها وتنبيههم* على أن ما أصابهم من الضنك والضيق إنما هو من شؤم جناياتهم لا لقصور فى فيض الفياض ما لا يخفى (مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) جملة مستأنفة مبنية على سؤال نشأ من مضمون الجملتين المصدرتين بحرف الامتناع الدالتين على انتفاء الإيمان والاتقاء وإقامة الكتب المنزلة من أهل الكتاب كأنه قيل هل كلهم كذلك مصرون على عدم الإيمان الخ فقيل منهم أمة مقتصدة إما على أن منهم مبتدأ باعتبار مضمونه أى بعضهم أمة وإما بتقدير الموصوف أى بعض كائن منهم كما مر فى قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ) الآية أى طائفة معتدلة وهم المؤمنون منهم كعبد الله بن سلام وأضرابه وثمانية وأربعون من النصارى وقيل طائفة حالهم* أمم فى عداوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ) مبتدأ لتخصصه بالصفة خبره (ساءَ ما يَعْمَلُونَ) أى مقول فى حقهم هذا القول أى بئسما يعملون وفيه معنى التعجب أى ما أسوأ عملهم من العناد والمكابرة وتحريف الحق والإعراض عنه والإفراط فى العداوة وهم الأجلاف المتعصبون ككعب بن الأشرف وأشباهه والروم (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ) نودى صلىاللهعليهوسلم بعنوان الرسالة تشريفا له وإيذانا بأنها من موجبات الإتيان بما* أمر به من تبليغ ما أوحى إليه (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) أى جميع ما أنزل إليك من الأحكام وما يتعلق بها* كائنا ما كان وفى قوله تعالى (مِنْ رَبِّكَ) أى مالك أمورك ومبلغك إلى كمالك اللائق بك عدة ضمنية بحفظه* صلىاللهعليهوسلم وكلاءته أى بلغه غير مراقب فى ذلك أحدا ولا خائف أن ينالك مكروه أبدا (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ) ما أمرت* به من تبليغ الجميع بالمعنى المذكور كما ينبىء عنه قوله تعالى (فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) فإن ما لا تتعلق به الأحكام