(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) (٦٨)
____________________________________
أصلا من الأسرار الخفية ليست مما يقصد تبليغه إلى الناس أى فما بلغت شيئا من رسالته وانسلخت مما شرفت به من عنوان الرسالة بالمرة لما أن بعضها ليس أولى بالأداء من بعض فإذا لم تؤد بعضها فكأنك أغفلت أداءها جميعا كما أن من لم يؤمن ببعضها كان كمن لم يؤمن بكلها لإدلاء كل منها بما يدليه غيرها وكونها لذلك فى حكم شىء واحد ولا ريب فى أن الواحد لا يكون مبلغا غير مبلغ مؤمنا به غير مؤمن به ولأن كتمان بعضها إضاعة لما أدى منها كترك بعض أركان الصلاة فإن غرض الدعوة ينتقض بذلك وقيل فكأنك ما بلغت شيئا منها كقوله تعالى (فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) من حيث أن كتمان البعض والكل سواء فى الشناعة واستجلاب العقاب وقرىء فما بلغت رسالاتى وعن ابن عباس رضى الله عنهما إن كتمت آية لم تبلغ رسالاتى وروى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعثنى الله برسالاته فضقت بها ذرعا فأوحى الله إلى إن لم تبلغ رسالاتى عذبتك وضمن لى العصمة فقويت وذلك قوله تعالى (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فإنه كما ترى عدة كريمة* بعصمته من لحوق ضررهم بروحه العزيز باعثة له صلىاللهعليهوسلم على الجد فى تحقيق ما أمر به من التبليغ غير مكثرت بعداوتهم وكيدهم وعن أنس رضى الله عنه أنه صلىاللهعليهوسلم كان يحرس حتى نزلت فأخرج رأسه من قبة أدم فقال انصرفوا يأيها الناس فقد عصمنى الله من الناس وقوله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) * تعليل لعصمته تعالى له صلىاللهعليهوسلم أى لا يمكنهم مما يريدون بك من الأضرار وإيراد الآية الكريمة فى تضاعيف الآيات الواردة فى حق أهل الكتاب لما أن الكل قوارع يسوء الكفار سماعها ويشق على الرسول صلىاللهعليهوسلم مشافهتهم بها وخصوصا ما يتلوها من النص الناعى عليهم كمال ضلالتهم ولذلك أعيد الأمر فقيل (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ) مخاطبا للفريقين (لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ) أى دين يعتد به ويليق بأن يسمى شيئا لظهور بطلانه* ووضوح فساده وفى هذا التعبير من التحقير والتصغير ما لا غاية وراءه (حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) * أى تراعوهما وتحافظوا على ما فيهما من الأمور التى من جملتها دلائل رسالة الرسول صلىاللهعليهوسلم وشواهد نبوته فإن إقامتهما إنما تكون بذلك وأما مراعاة أحكامهما المنسوخة فليست من إقامتهما فى شىء بل هى تعطيل لهما ورد لشهادتهما لأنهما شاهدان بنسخها وانتهاء وقت العمل بها لأن شهادتهما بصحة ما ينسخها شهادة بنسخها وخروجها عن كونها من أحكامهما وأن أحكامهما ما قرره النبى الذى بشر فيهما ببعثته وذكر فى تضاعيفهما نعوته فإذن إقامتهما بيان شواهد النبوة والعمل بما قررته الشريعة من الأحكام كما يفصح عنه قوله تعالى (وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) أى القرآن المجيد بالإيمان به فإن إقامة الجميع لا تتأتى بغير ذلك* وتقديم إقامة الكتابين على إقامته مع أنها المقصودة بالذات لرعاية حق الشهادة واستنزالهم عن رتبة الشقاق وإيراده بعنوان الإنزال إليهم لما مر من التصريح بأنهم مأمورون بإقامته والإيمان به لا كما يزعمون من اختصاصه بالعرب وفى إضافة الرب إلى ضميرهم ما أشير إليه من اللطف فى الدعوة وقيل المراد بما