(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦٩)
____________________________________
أنزل إليهم كتب أنبياء بنى إسرائيل كما مر وقيل الكتب الإلهية فإنها بأسرها آمرة بالإيمان لمن صدقته المعجزة ناطقة بوجوب الطاعة له. روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن جماعة من اليهود قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ألست تقرأ أن التوراة حق من عند الله تعالى فقال صلىاللهعليهوسلم بلى فقالوا فإنا مؤمنون بها ولا نؤمن* بغيرها فنزلت وقوله تعالى (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) جملة مستأنفة مبينة لشدة شكيمتهم وغلوهم فى المكابرة والعناد وعدم إفادة التبليغ نفعا وتصديرها بالقسم لتأكيد مضمونها وتحقيق مدلولها والمراد بالكثير المذكور علماؤهم ورؤساؤهم ونسبة الإنزال إلى رسول الله* صلىاللهعليهوسلم مع نسبته فيما مر إليهم للإنباء عن انسلاخهم عن تلك النسبة (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) أى لا تتأسف ولا تحزن عليهم لإفراطهم فى الطغيان والكفر بما تبلغه إليهم فإن غائلته آيلة إليهم وتبعته حائقة بهم لا تتخطاهم وفى المؤمنين مندوحة لك عنهم ووضع المظهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالرسوخ فى الكفر (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) كلام مستأنف مسوق لترغيب من عدا المذكورين فى الإيمان والعمل الصالح أى الذين آمنوا بألسنتهم فقط وهم المنافقون وقيل أعم من أن يواطئها قلوبهم أولا* (وَالَّذِينَ هادُوا) أى دخلوا فى اليهودية (وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى) جمع نصران وقد مر تفصيله فى سورة البقرة وقوله تعالى (وَالصَّابِئُونَ) رفع على الابتداء وخبره محذوف والنية به التأخر عما فى حيز إن والتقدير إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كيت وكيت والصابئون كذلك كقوله [فإنى وقيار بها لغريب] وقوله[وإلا فاعلموا أنا وأنتم * بغاة ما بقينا فى شقاق] خلا أنه وسط بين اسم إن وخبرها دلالة على أن الصابئين مع ظهور ضلالهم وزيغهم عن الأديان كلها حيث قبلت توبتهم إن صح منهم الإيمان والعمل الصالح فغيرهم أولى بذلك وقيل الجملة الآتية خبر للمتبدأ المذكور وخبر إن مقدر كما فى قوله[نحن بما عندنا وأنت بما * عندك راض والرأى مختلف] وقيل النصارى مرفوع على الابتداء وقوله تعالى (وَالصَّابِئُونَ) عطفا عليه وهو مع خبره عطف على الجملة المصدرة بأن ولا مساغ لعطفه وحده على محل إن واسمها لاشتراط ذلك بالفراغ عن الخبر وإلا لارتفع الخبر بأن والابتداء معا واعتذر عنه بأن ذلك إذا كان المذكور خبرا لهما وأما إذا كان خبر المعطوف محذوفا فلا محذور فيه ولا على الضمير فى هادوا العدم التأكيد والفصل ولاستلزامه كون الصابئين هودا وقرىء والصابيون بياء صريحة وبتخفيف الهمزة وقرىء والصابون وهو من صبا يصبوا لأنهم صبوا إلى اتباع الهوى والشهوات فى دينهم وقرىء* والصابئين وقرىء يأيها الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون وقوله تعالى (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً) إما فى محل الرفع على أنه مبتدأ خبره (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط وجمع الضمائر الأخيرة باعتبار معنى الموصول كما أن إفراد ما فى صلته باعتبار لفظه والجملة