(جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٩٧)
____________________________________
* وطعمه وقيل صيد البحر ما صيد فيه وطعامه ما قذفه أو نضب عنه (مَتاعاً لَكُمْ) نصب على أنه مفعول له مختص بالطعام كما أن نافلة فى قوله تعالى (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً) حال مختصة بيعقوب عليهالسلام* أى أحل لكم طعامه تمتيعا للمقيمين منكم يأكلونه طريا (وَلِلسَّيَّارَةِ) منكم يتزودونه قديدا وقيل نصب على أنه مصدر مؤكد لفعل مقدر أى متعكم به متاعا وقيل مؤكد لمعنى أحل لكم فإنه فى قوة متعكم به تمتيعا* كقوله تعالى (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ) وقرىء على بناء الفعل للفاعل ونصب صيد البر* وهو ما يفرخ فيه وإن كان يعيش فى الماء فى بعض الأوقات كطير الماء (ما دُمْتُمْ حُرُماً) أى محرمين وقرىء بكسر الدال من دام يدام وظاهره يوجب حرمة ما صاده الحلال على المحرم وإن لم يكن له مدخل فيه وهو قول عمر وابن عباس رضى الله عنهم وعن أبى هريرة وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير رضى الله عنهم أنه يحل له أكل ما صاده الحلال وإن صاده لأجله إذا لم يشر إليه ولم يدل عليه وكذا ما ذبحه قبل إحرامه وهو مذهب أبى حنيفة لأن الخطاب للمحرمين فكأنه قيل وحرم عليكم ما صدتم فى البر فيخرج منه* مصيد غيرهم وعند مالك والشافعى وأحمد لا يباح ما صيدله (وَاتَّقُوا اللهَ) فيما نهاكم عنه أو فى جميع المعاصى* التى من جملتها ذلك (الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) لا إلى غيره حتى يتوهم الخلاص من أخذه تعالى بالالتجاء إليه (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ) قال مجاهد سميت كعبة لكونها مكعبة مربعة وقيل لانفرادها من البناء وقيل لارتفاعها* من الأرض ونتوئها وقوله تعالى (الْبَيْتَ الْحَرامَ) عطف بيان على جهة المدح دون التوضيح كما تجىء* الصفة كذلك وقيل مفعول ثان لجعل وقوله تعالى (قِياماً لِلنَّاسِ) نصب على الحال ويرده عطف ما بعده على المفعول الأول كما سيجىء بل هذا هو المفعول الثانى وقيل الجعل بمعنى الإنشاء والخلق وهو حال كما مر ومعنى كونه قياما لهم أنه مدار لقيام أمر دينهم ودنياهم إذ هو سبب لانتعاشهم فى أمور معاشهم ومعادهم يلوذ به الخائف ويأمن فيه الضعيف ويربح فيه التجار ويتوجه إليه الحجاج والعمار وقرىء قيما* على أنه مصدر على وزن شبع أعل عينه بما أعل فى فعله (وَالشَّهْرَ الْحَرامَ) أى الذى يؤدى فيه الحج وهو ذو الحجة وقيل جنس الشهر الحرام وهو وما بعده عطف على الكعبة فالمفعول الثانى محذوف ثقة بما مر* أى وجعل الشهر الحرام (وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ) أيضا قياما لهم والمراد بالقلائد ذوات القلائد وهى البدن* خصت بالذكر لأن الثواب فيها أكثر وبهاء الحج بها أظهر (ذلِكَ) إشارة إلى الجعل المذكور خاصة أو مع ما ذكر من الأمر بحفظ حرمة الإحرام وغيره ومحله النصب بفعل مقدر يدل عليه السياق وهو العامل* فى اللام بعده أى شرع ذلك (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فإن تشريع هذه الشرائع المستتبعة لدفع المضار الدينية والدنيوية قبل وقوعها وجلب المنافع الأولوية والأخروية من* أوضح الدلائل على حكمة الشارع وعدم خروج شىء عن علمه المحيط وقوله تعالى (وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)