(اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨) ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٩٩) قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (١٠٠)
____________________________________
تعميم إثر تخصيص للتأكيد ويجوز أن يراد بما فى السموات والأرض الأعيان الموجودة فيهما وبكل شىء الأمور المتعلقة بتلك الموجودات من العوارض والأحوال التى هى من قبيل المعانى (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) وعيد لمن انتهك محارمه أو أصر على ذلك وقوله تعالى (وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وعد لمن* حافظ على مراعاة حرماته تعالى أو أقلع عن الانتهاك بعد تعاطيه ووجه تقديم الوعيد ظاهر (ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) تشديد فى إيجاب القيام بما أمر به أى الرسول قد أتى بما وجب عليه من التبليغ بما لا مزيد عليه وقامت عليكم الحجة ولزمتكم الطاعة فلا عذر لكم من بعد فى التفريط (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ) فيؤاخذكم بذلك نقيرا وقطميرا (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ) حكم عام فى نفى المساواة عند الله تعالى بين الردىء من الأشخاص والأعمال والأموال وبين جيدها قصد به الترغيب فى جيد كل منها والتحذير عن رديئها وإن كان سبب النزول شريح بن ضبعة البكرى الذى مرت قصته فى تفسير قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) الخ وقيل نزل فى رجل سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم إن الخمر كانت تجارتى وإنى اعتقدت من بيعها مالا فهل ينفعنى من ذلك المال إن عملت فيه بطاعة الله تعالى فقال النبى صلىاللهعليهوسلم إن أنفقته فى حج أو جهاد أو صدقة لم يعدل جناح بعوضة إن الله لا يقبل إلا الطيب وقال عطاء والحسن رضى الله عنهما الخبيث والطيب الحرام والحلال وتقديم الخبيث فى الذكر للإشعار من أول الأمر بأن القصور الذى ينبىء عنه عدم الاستواء فيه لا فى مقابله فإن مفهوم عدم الاستواء بين الشيئين المتفاوتين زيادة ونقصانا وإن جاز اعتباره بحسب زيادة الزائد لكن المتبادر اعتباره بحسب قصور القاصر كما فى قوله تعالى (هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) إلى غير ذلك وأما قوله تعالى (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) فلعل تقديم الفاضل فيه لما أن صلته ملكة لصلة المفضول (وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) أى وإن سرك* كثرته والخطاب لكل واحد من الذين أمر النبى صلىاللهعليهوسلم بخطابهم والواو لعطف الشرطية على مثلها المقدر وقيل للحال وقدمر أى لو لم تعجبك كثرة الخبيث ولو أعجبتك وكلتاهما فى موقع الحال من فاعل لا يستوى أى لا يستويان كائنين على كل حال مفروض كما فى قولك أحسن إلى فلان وإن أساء إليك أى أحسن إليه إن لم يسىء إليك وإن أساء إليك أى كائنا على كل حال مفروض وقد حذفت الأولى حذفا مطردا لدلالة الثانية عليها دلالة واضحة فإن الشىء إذا تحقق مع المعارض فلأن يتحقق بدونه أولى وعلى هذا السر يدور ما فى لو وأن الوصليتين من المبالغة والتأكيد وجواب لو محذوف فى الجملتين لدلالة ما قبلهما عليه وسيأتى تمام