(وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) (١٥٦)
____________________________________
(وَاكْتُبْ لَنا) أى عين لنا وقيل أوجب وحقق وأثبت (فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً) أى نعمة وعافية* أو خصلة حسنة. قال ابن عباس رضى الله عنهما اقبل وفادتنا وردنا بالمغفرة والرحمة (وَفِي الْآخِرَةِ) أى واكتب لنا فيها أيضا حسنة وهى المثوبة الحسنى والجنة (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) أى تبنا وأنبنا إليك من هاد يهود إذا رجع وقرىء بكسر الهاء من هاده يهيده إذا حركه وأماله ويحتمل أن يكون مبنيا للفاعل أو للمفعول بمعنى أملنا أنفسنا أو أملنا إليك وتجويز أن تكون القراءة المشهورة على بناء المفعول على لغة من يقول عود المريض مع كونها لغة ضعيفة مما لا يليق بشأن التنزيل الجليل والجملة استئناف مسوق لتعليل الدعاء فإن التوبة مما يوجب قبله بموجب الوعد المحتوم وتصديرها بحرف التحقيق لإظهار كمال النشاط والرغبة فى التوبة والمعنى إنا تبنا ورجعنا عما صنعنا من المعصية العظيمة التى جئناك للاعتذار عنها وعما وقع ههنا من طلب الرؤية فبعيد من لطفك وفضلك أن لا تقبل توبة التائبين قيل لما أخذتهم الرجفة ماتوا جميعا فأخذ موسى عليه الصلاة والسلام يتضرع إلى الله تعالى حتى أحياهم وقيل رجفوا وكادت تبين مفاصلهم وأشرفوا على الهلاك فخاف موسى عليه الصلاة والسلام فبكى* فكشفها الله تعالى عنهم (قالَ) استئناف وقع جوابا عن سؤال ينساق إليه الكلام كأنه قيل فماذا قال الله* تعالى عند دعاء موسى عليهالسلام فقيل قال (عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ) لعله عزوجل حين جعل توبة عبدة العجل بقتلهم أنفسهم ضمن موسى عليهالسلام دعاءه التخفيف والتيسير حيث قال واكتب لنا فى هذه الدنيا حسنة أى خصلة حسنة عارية عن المشقة والشدة فإن فى قتل أنفسهم من العذاب والتشديد ما لا يخفى فأجاب تعالى بأن عذابى شأنه أن أصيب به من أشاء تعذيبه من غير دخل لغيرى فيه وهم ممن تناولته* مشيئتى ولذلك جعلت توبتهم مشوبة بالعذاب الدنيوى (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) أى شأنها أن تسع فى الدنيا المؤمن والكافر بل كل ما يدخل تحت الشيئية من المكلفين وغيرهم وقد نال قومك نصيب منها فى ضمن العذاب الدنيوى وفى نسبة الإصابة إلى العذاب بصيغة المضارع ونسبة السعة إلى الرحمة بصيغة الماضى إيذان بأن الرحمة مقتضى الذات وأما العذاب فبمقتضى معاصى العباد والمشيئة معتبرة فى جانب الرحمة* أيضا وعدم التصريح بها للإشعار بغاية الظهور ألا يرى إلى قوله تعالى (فَسَأَكْتُبُها) أى أثبتها وأعينها فإنه متفرع على اعتبار المشيئة كأنه قيل فإذا كان الأمر كذلك أى كما ذكر من إصابة عذابى وسعة رحمتى لكل من أشاء فسأكتبها كتبة كائنة كما دعوت بقولك واكتب لنا فى هذه الخ أى سأكتبها خالصة غير مشوبة بالعذاب* الدنيوى (لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) أى الكفر والمعاصى إما ابتداء أو بعد ملابستهما وفيه تعريض بقومه كأنه قيل* لا لقومك لأنهم غير متقين فيكفيهم ما قدر لهم من الرحمة وإن كانت مقارنة للعذاب الدنيوى (وَيُؤْتُونَ