قبل ذلك كما قيل. قال السدى أمره الله تعالى بأن يأتيه فى ناس من بنى إسرائيل يعتذرون إليه تعالى من عبادة العجل ووعدهم موعدا فاختار عليهالسلام من قومه سبعين رجلا وقال محمد بن إسحق اختارهم ليتوبوا إليه تعالى مما صنعوه ويسألوه التوبة على من تركوهم وراءهم من قومهم قالوا اختار عليه الصلاة والسلام من كل سبط ستة فزاد اثنان فقال ليتخلف منكم رجلان فتشاحوا فقال عليه الصلاة والسلام إن لمن قعد مثل أجر من خرج فقعد كالب ويوشع وذهب مع الباقين وأمرهم أن يصوموا ويتطهروا ويطهروا ثيابهم فخرج بهم إلى طور سيناء فلما دنوا من الجبل غشيه غمام فدخل موسى بهم الغمام وخروا سجدا فسمعوه تعالى يكلم موسى يأمره وينهاه حسبما يشاء وهو الأمر بقتل أنفسهم توبة (فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) مما اجترءوا عليه من طلب الرؤية فإنه يروى أنه لما انكشف الغمام أقبلوا إلى موسى عليهالسلام وقالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الرجفة أى الصاعقة أو رجفة الجبل فصعقوا منها اى ماتوا ولعلهم أرادوا بقولهم لن نؤمن لك لن نصدقك فى أن الآمر بما سمعنا من الأمر بقتل أنفسهم هو الله تعالى حتى نراه حيث قاسوا رؤيته تعالى على سماع كلامه قياسا فاسدا فحين شاهد موسى تلك الحالة الهائلة (قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ) أى حين فرطوا فى النهى عن عبادة العجل وما فارقوا عبدته* حين شاهدوا إصرارهم عليها (وَإِيَّايَ) أيضا حين طلبت منك الرؤية أى لو شئت إهلاكنا بذنوبنا* لأهلكتنا حينئذ أراد به عليهالسلام تذكير العفو السابق لاستجلاب العفو اللاحق فإن الاعتراف بالذنب والشكر على النعمة مما يربط العتيد ويستجلب المزيد يعنى إنا كنا مستحقين للإهلاك ولم يكن من موانعه إلا عدم مشيئتك إياه فحيث لطفت بنا وعفوت عنا تلك الجرائم فلا غرو فى أن تعفو عنا هذه الجريمة أيضا وحمل الكلام على التمنى يأباه قوله تعالى (أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) أى الذين لا يعلمون* تفاصيل شئونك ولا يتثبتون فى المداحض والهمزة إما لإنكار وقوع الإهلاك ثقة بلطف الله عزوجل كما قاله ابن الأنبارى أو للاستعطاف كما قاله المبرد أى لا تهلكنا (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) استئناف مقرر لما* قبله واعتذار عما صنعوا ببيان منشأ غلطهم أى ما الفتنة التى وقع فيها السفهاء وقالوا بسببها ما قالوا من العظيمة إلا فتنتك أى محنتك وابتلاؤك حيث أسمعتهم كلامك فافتتنوا بذلك ولم يتثبتوا فطمعوا فيما فوق ذلك تابعين للقياس الفاسد وقوله تعالى (تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) إما استئناف مبين لحكم* الفتنة أو حال من فتنتك أى حال كونها مضلا بها الخ أى تضل بسببها من تشاء إضلاله فلا يهتدى إلى التثبت وتهدى من تشاء هدايته إلى الحق فلا يتزلزل فى أمثالها فيقوى بها إيمانه (أَنْتَ وَلِيُّنا) أى القائم بأمورنا* الدنيوية والأخروية وناصرنا وحافظنا لا غيرك (فَاغْفِرْ لَنا) ما قارفناه من المعاصى والفاء لترتيب الدعاء* على ما قبله من الولاية كأنه قيل فمن شأن الولى المغفرة والرحمة وقيل إن إقدامه عليه الصلاة والسلام على أن يقول إن هى إلا فتنتك الخ جراءة عظيمة فطلب من الله تعالى غفرانها والتجاوز عنها (وَارْحَمْنا) * بإفاضة آثار الرحمة الدنيوية والأخروية علينا (وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ) اعتراض تذييلى مقرر لما قبله من* الدعاء وتخصيص المغفرة بالذكر لأنها الأهم بحسب المقام.