(وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٥٣) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (١٥٤) وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ) (١٥٥)
____________________________________
(ثُمَّ تابُوا) عن تلك السيئات (مِنْ بَعْدِها) أى من بعد عملها (وَآمَنُوا) إيمانا صحيحا خالصا واشتغلوا* بإقامة ما هو من مقتضياته من الأعمال الصالحة ولم يصروا على ما فعلوا كالطائفة الأولى (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) * أى من بعد تلك التوبة المقرونة بالإيمان (لَغَفُورٌ) للذنوب وإن عظمت وكثرت (رَحِيمٌ) مبالغ فى إفاضة فنون الرحمة الدنيوية والأخروية والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليهالسلام للتشريف (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ) شروع فى بيان بقية الحكاية إثر ما بين تحزب القوم إلى مصر وتائب والإشارة إلى مآل كل منهما إجمالا أى لما سكن عنه الغضب باعتذار أخيه وتوبة القوم وهذا صريح فى أن ما حكى عنهم من الندم وما يتفرع عليه كان بعد مجىء موسى عليه الصلاة والسلام وفى هذا النظم الكريم من البلاغة والمبالغة بتنزيل الغضب الحامل له على ما صدر عنه من الفعل والقول منزلة الآمر بذلك المغرى عليه بالتحكم والتشديد والتعبير عن سكونه بالسكوت ما لا يخفى وقرىء سكن وسكت وأسكت على* أن الفاعل هو الله تعالى أو أخوه أو التائبون (أَخَذَ الْأَلْواحَ) التى ألقاها (وَفِي نُسْخَتِها) أى فيما نسخ* فيها وكتب فعلة بمعنى مفعول كالخطبة وقيل فيما نسخ منها أى من الألواح المنكسرة (هُدىً) أى بيان* للحق (وَرَحْمَةٌ) للخلق بإرشادهم إلى ما فيه الخير والصلاح (لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) اللام الأولى متعلقة بمحذوف هو صفة لرحمة أى كائنة لهم أو هى لام الأجل أى هدى ورحمة لأجلهم والثانية لتقوية عمل الفعل المؤخر كما فى قوله تعالى (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) أو هى أيضا لام العلة والمفعول محذوف أى يرهبون المعاصى لأجل ربهم لا للرياء والسمعة (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) شروع فى بيان كيفية استدعاء التوبة وكيفية وقوعها واختار يتعدى إلى اثنين ثانيهما مجرور بمن أى اختار من قومه بحذف الجار وإيصال الفعل إلى المجرور كما فى قوله [اختارك الناس اذرثت خلائقهم * واعتل من كان يرجى عنده السول] * أى اختارك من الناس (سَبْعِينَ رَجُلاً) مفعول لاختار أخر عن الثانى لما مر مرارا من الاعتناء بالمقدم* والتشويق إلى المؤخر (لِمِيقاتِنا) الذى وقتناه بعد ما وقع من قومه ما وقع لا لميقات الكلام الذى ذكر