(قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (١٥١) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) (١٥٢)
____________________________________
(قالَ) استئناف مبنى على سؤال نشأ من حكاية اعتذار هرون عليهالسلام كأنه قيل فماذا قال موسى عند ذلك فقيل قال (رَبِّ اغْفِرْ لِي) أى ما فعلت بأخى من غير ذنب مقرر من قبله (وَلِأَخِي) إن فرط منه تقصير* ما فى كفهم عما فعلوه من العظيمة استغفر عليهالسلام لنفسه ليرضى أخاه ويظهر للشامتين رضاه لئلاتتم شماتتهم به ولأخيه للإيذان بأنه محتاج إلى الاستغفار حيث كان يجب عليه أن يقاتلهم (وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ) بمزيد* الإنعام بعد غفران ما سلف منا (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فلا غرو فى انتظامنا فى سلك رحمتك الواسعة* فى الدنيا والآخرة والجملة اعتراض تذييلى مقرر لما قبله (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) أى تموا على اتخاذه واستمروا على عبادته كالسامرى وأشياعه من الذين أشربوه فى قلوبهم كما يفصح عنه كون الموصول الثانى عبارة عن التائبين فإن ذلك صريح فى أن الموصول الأول عبارة عن المصرين (سَيَنالُهُمْ) أى فى الآخرة* (غَضَبٌ) أى عظيم لا يقادر قدره مستتبع لفنون العقوبات لما أن جريمتهم أعظم الجرائم وأقبح الجرائر* وقوله تعالى (مِنْ رَبِّهِمْ) أى مالكهم متعلق بينالهم أو بمحذوف هو نعت لغضب مؤكد لما أفاده التنوين* من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية أى كائن من ربهم (وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) هى ذلة الاغتراب التى* تضرب بها الأمثال والمسكنة المنتظمة لهم ولأولادهم جميعا والذلة التى اختص بها السامرى من الانفراد عن الناس والابتلاء بلامساس. يروى أن بقاياهم اليوم يقولون ذلك وإذا مس أحدهم أحد غيرهم حما جميعا فى الوقت وإيراد ما نالهم فى حيز السين مع مضيه بطريق تغليب حال الأخلاف على حال الأسلاف وقيل المراد بهم التائبون وبالغضب ما أمروا به من قتل أنفسهم واعتذر عن السين بأن ذلك حكاية عما أخبر الله تعالى به موسى عليهالسلام حين أخبره بافتتان قومه واتخاذهم العجل بأنه سينالهم غضب من ربهم وذلة فيكون سابقا على الغضب وأنت خبير بأن سياق النظم الكريم وسياقه نأبيان عن ذلك نبوا ظاهرا كيف لا وقوله تعالى (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) ينادى على خلافه فإنهم شهداء تائبون فكيف* يمكن وصفهم بعد ذلك بالافتراء وأيضا ليس يجزى الله تعالى كل المفترين بهذا الجزاء الذى ظاهره قهر وباطنه لطف ورحمة وقيل المراد بهم أبناؤهم المعاصرون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فإن تعبير الأبناء بأفاعيل الآباء مشهور معروف منه قوله تعالى (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً) الآية وقوله تعالى (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى) الآية والمراد بالغضب الغضب الأخروى وبالذلة ما أصابهم من القتل والإجلاء وضرب الجزية عليهم وقيل المراد بالموصول المتخذون حقيقة وبالضمير فى ينالهم أخلافهم ولا ريب فى أن توسيط حال هؤلاء فى تضاعيف بيان حال المتخذين من قبيل الفصل بين الشجر ولحائه (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ) أى سيئة كانت.