(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ) (٦٦)
____________________________________
كما أن الطعام الصالح للأصحاء يزيد المرضى مرضا (وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ) أى بين اليهود فإن بعضهم جبرية وبعضهم* قدرية وبعضهم مرجئة وبعضهم مشبهة (الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) فلا يكاد تتوافق قلوبهم ولا تتطابق* أفوالهم والجملة مبتدأ مسوقة لإزاحة ما عسى يتوهم من ذكر طغيانهم وكفرهم من الاجتماع على أمر يؤدى إلى الإضرار بالمسلمين قيل العداوة أخص من البغضاء لأن كل عدو مبغض بلا عكس كلى (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) متعلق بألقينا وقيل بالبغضاء (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) تصريح بما أشير إليه* من عدم وصول غائلة ما هم فيه إلى المسلمين أى كلما أرادوا محاربة الرسول صلىاللهعليهوسلم ورتبوا مباديها وركبوا فى ذلك متن كل صعب وذلول ردهم الله تعالى وقهرهم أو كلما أرادوا حرب أحد غلبوا فإنهم لما خالفوا حكم التوراة سلط الله تعالى عليهم بخت نصر ثم أفسدوا فسلط الله عليهم فطرس الرومى ثم أفسدوا فسلط الله عليهم المجوس ثم أفسدوا فسلط الله عليهم المسلمين وللحرب إما صلة لأوقدوا أو متعلق بمحذوف وقع صفة لنارا أى كائنة للحرب (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) أى يجتهدون فى الكيد للإسلام وأهله* وإثارة الشر والفتنة فيما بينهم مما يغاير ما عبر عنه بإيقاد نار الحرب وفسادا إما مفعول له أو فى موقع المصدر أى يسعون للفساد أو يسعون سعى فساد (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) ولذلك أطفأ ثائرة إفسادهم* واللام إما للجنس وهم داخلون فيه دخولا أوليا وإما للعهد ووضع المظهر مقام الضمير للتعليل وبيان كونهم راسخين فى الإفساد (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ) أى اليهود والنصارى على أن المراد بالكتاب الجنس المنتظم للتوراة والإنجيل وإنما ذكروا بذلك العنوان تأكيدا للتشنيع فإن أهلية الكتاب توجب إيمانهم به وإقامتهم له لا محالة فكفرهم به وعدم إقامتهم له وهم أهله أقبح من كل قبيح وأشنع من كل شنيع فمفعول قوله تعالى (آمَنُوا) محذوف ثقة بظهوره مما سبق من قوله تعالى (هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ) وما لحق من قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ) الخ أى ولو أنهم مع صدور ما صدر عنهم من فنون الجنايات قولا وفعلا آمنوا بما نفى عنهم الإيمان به فيندرج فيه فرض إيمانهم برسول الله صلىاللهعليهوسلم وأما إرادة إيمانهم به صلىاللهعليهوسلم خاصة فيأباها المقام لأن ما ذكر فيما سبق وما لحق من كفرهم به صلىاللهعليهوسلم إنما ذكر مشفوعا بكفرهم بكتابهم أيضا قصدا إلى الإلزام والتبكيت ببيان أن الكفر به صلىاللهعليهوسلم مستلزم كفر بكتابهم فحمل الإيمان ههنا على الإيمان به صلىاللهعليهوسلم خاصة مخل بتجاوب أطراف النظم الكريم (وَاتَّقَوْا) ما عددنا من معاصيهم التى من جملتها مخالفة كتابهم (لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) التى اقترفوها وإن كانت فى غاية العظم ونهاية الكثرة ولم نؤاخذهم بها (وَلَأَدْخَلْناهُمْ) مع ذلك* (جَنَّاتِ النَّعِيمِ) وتكرير اللام لتأكيد الوعد وفيه تنبيه على كمال عظم ذنوبهم وكثرة معاصيهم وأن الإسلام* يجب ما قبله من السيئات وإن جلت وجاوزت كل حد معهود (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) بمراعاة