النظم الكريم على حذف المضاف والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلىاللهعليهوسلم للإيذان بأن توفيقه صلىاللهعليهوسلم للجواب على الوجه المذكور من باب التربية والإرشاد ومعنى كونه عنده تعالى خاصة أنه تعالى قد استأثر به بحيث لم يخبر به أحدا من ملك مقرب أو نبى مرسل وقوله تعالى (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ) بيان لاستمرار تلك الحالة إلى حين قيامها وإقناط كلى عن إظهار أمرها بطريق الإخبار من جهته تعالى أو من جهة غيره لاقتضاء الحكمة التشريعية إياه فإنه أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية كما أن إخفاء الأجل الخاص للإنسان كذلك والمعنى لا يكشف عنها ولا يظهر للناس أمرها الذى تسألوننى عنه إلا هو بالذات من غير أن يشعر به أحد من المخلوقين فيتوسط فى إظهاره لهم لكن لا بأن لا يخبرهم بوقتها قبل مجيئه كما هو المسئول بل بأن يقيمها فيشاهدوها عيانا كما يفصح عنه التجلية المنبئة عن الكشف التام المزيل للإبهام بالكلية وقوله تعالى (لِوَقْتِها) أى فى وقتها قيد للتجلية بعد ورود الاستثناء عليها لا قبله كأنه قيل لا يجليها إلا هو فى وقتها إلا أنه قدم على الاستثناء للتنبيه من أول الأمر على أن تجليتها ليست بطريق الإخبار بوقتها بل بإظهار عينها فى وقتها الذى يسألون عنه وقوله تعالى (ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) استئناف* كما قبله مقرر لمضمون ما قبله أى كبرت وشقت على أهلهما من الملائكة والثقلين كل منهم أهمه خفاؤها وخروجها عن دائرة العقول وقيل عظمت عليهم حيث يشفقون منها ويخافون شدائدها وأهوالها وقيل ثقلت فيهما إذ لا يطيقها منهما ومما فيهما شىء أصلا والأول هو الأنسب بما قبله وبما بعده من قوله تعالى (لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) فإنه أيضا استئناف مقرر لمضمون ما قبله فلا بد من اعتبار الثقل من حيث الخفاء* أى لا تأتيكم إلا فجأة على غفلة كما قال صلىاللهعليهوسلم إن الساعة تهيج بالناس والرجل يصلح حوضه والرجل يسقى ماشيته والرجل يقوم سلعته فى سوقه والرجل يخفض ميزانه ويرفعه (يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) * استئناف مسوق لبيان خطئهم فى توجيه السؤال إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بناء على زعمهم أنه صلىاللهعليهوسلم عالم بالمسئول عنه أو أن العلم بذلك من مواجب الرسالة إثر بيان خطئهم فى أصل السؤال بأعلام شأن المسئول عنه والجملة التشبيهية فى محل النصب على أنها حال من الكاف جىء بها بيانا لما يدعوهم إلى السؤال على زعمهم وإشعارا بخطئهم فى ذلك أى يسألونك مشبها حالك عندهم بحال من هو حفى عنها أى مبالغ فى العلم بها فعيل من حفى وحقيقته كأنك مبالغ فى السؤال عنها فإن ذلك فى حكم المبالغة فى العلم بها لما أن من بالغ فى السؤال عن الشىء والبحث عنه استحكم علمه به ومبنى التركيب على المبالغة والاستقصاء ومنه إحفاء الشارب واحتفاء البقل أى استئصاله والإحفاء فى المسألة أى الإلحاف فيها وقيل عن متعلقة بيسألونك وقوله تعالى (كَأَنَّكَ حَفِيٌ) معترض وصلة حفى محذوفة أى حفى بها وقد قرىء كذلك وقيل هو من الحفاوة بمعنى البر والشفقة فإن قريشا قالوا له صلىاللهعليهوسلم إن بيننا وبينك قرابة فقل لنا متى الساعة والمعنى يسألونك كأنك حفى تتحفى بهم فتخصهم بتعليم وقتها لأجل القرابة وتزوى أمرها عن غيرهم ففيه تخطئة لهم من جهتين وقيل هو من حفى بالشىء بمعنى فرح به والمعنى كأنك فرح بالسؤال عنها تحبه مع أنك كاره له لما أنه تعرض لحرم الغيب الذى أستأثر الله عزوجل بعلمه (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) أمر صلىاللهعليهوسلم بإعادة الجواب* الأول تأكيدا للحكم وتقريرا له وإشعارا بعلته على الطريقة البرهانية بإيراد اسم الذات المنبىء عن