(مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٨٦) يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (١٨٧)
____________________________________
فمالهم لا يبادرون إلى الإيمان بالقرآن قبل الفوت وماذا ينتظرون بعد وضوح الحق وبأى حديث أحق منه يريدون أن يؤمنوا وقيل الضمير لأجلهم والمعنى فبأى حديث بعد انقضاء أجلهم يؤمنون وقيل للرسول صلىاللهعليهوسلم على حذف مضاف أى فبأى حديث بعد حديثه يؤمنون وهو أصدق الناس وقوله تعالى (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ) استئناف مقرر لما قبله منبىء عن الطبع على قلوبهم وقوله تعالى (وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ) بالياء والرفع على الاستئناف أى وهو يذرهم وقرىء بنون العظمة على طريقة الالتفات أى ونحن نذرهم وقرىء بالياء والجزم عطفا على محل فلا هادى له كأنه قيل من يضلل الله لا يهده أحد ويذرهم* وقد روى الجزم بالنون عن نافع وأبى عمرو فى الشواذ وقوله تعالى (يَعْمَهُونَ) أى يترددون ويتحيرون حال من مفعول يذرهم وتوحيد الضمير فى حيز النفى نظرا إلى لفظ من وجمعه فى حيز الإثبات نظرا إلى معناها للتنصيص على شمول النفى والإثبات للكل (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ) استئناف مسوق لبيان بعض أحكام ضلالهم وطغيانهم أى عن القيامة وهى من الأسماء الغالبة وإطلاقها عليها إما لوقوعها بغتة أو لسرعة ما فيها من الحساب أو لأنها ساعة عند الله تعالى مع طولها فى نفسها قيل إن قوما من اليهود قالوا يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا فإنا نعلم متى هى وكان ذلك امتحانا منهم مع علمهم أنه تعالى قد استأثر* بعلمها وقيل السائلون قريش وقوله تعالى (أَيَّانَ مُرْساها) بفتح الهمزة وقد قرىء بكسرها وهو ظرف زمان متضمن لمعنى الاستفهام ويليه المبتدأ أو الفعل المضارع دون الماضى بخلاف متى حيث يليها كلاهما قيل اشتقاقه من أى فعلان منه لأن معناه أى وقت وهو من أويت إلى الشىء لأن البعض آو إلى الكل متساند إليه ومحله الرفع على أنه خبر مقدم ومرساها مبتدأ مؤخر أى متى إرساؤها أى إثباتها وتقريرها فإنه مصدر ميمى من أرساه إذا أثبته وأقره ولا يكاد يستعمل إلا فى الشىء الثقيل كما فى قوله تعالى (وَالْجِبالَ أَرْساها) ومنه مرساة السفن ومحل الجملة قيل الجر على البدلية من الساعة والتحقيق أن محلها النصب بنزع الخافض لأنها بدل من الجار والمجرور لا من المجرور فقط كأنه قيل يسألونك عن الساعة عن أيان مرساها وفى تعليق السؤال بنفس الساعة أولا وبوقت وقوعها ثانيا تنبيه على أن المقصد الأصلى من السؤال نفسها باعتبار حلولها فى وقتها المعين لا وقتها باعتبار كونه محلالها وقد سلك هذا المسلك فى الجواب الملقن أيضا* حيث أضيف العلم بالمطلوب بالسؤال إلى ضميرها فأخبر باختصاصه به عزوجل حيث قيل (قُلْ إِنَّما عِلْمُها) * أى علمها بالاعتبار المذكور (عِنْدَ رَبِّي) ولم يقل إنما علم وقت إرسائها ومن لم يتنبه لهذه النكتة حمل