(ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (١٠٨)
____________________________________
ففعلنا وما لنا بالإناء من علم فرفعوهما إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الآية فاستحلفهما بعد صلاة العصر عند المنبر بالله الذى لا إله إلا هو أنهما لم يختانا شيئا مما دفع ولا كتما فحلفا على ذلك فخلى صلىاللهعليهوسلم سبيلهما ثم إن الإناء وجد بمكة فقال من بيده اشتريته من تميم وعدى وقيل لما طالت المدة أظهراه فبلغ ذلك بنى سهم فطلبوه منهما فقالا كنا اشتريناه من بديل فقالوا ألم نقل لكما هل باع صاحبنا من متاعه شيئا فقلتما لا قالا ما كان لنا بينة فكرهنا أن نقربه فرفعوهما إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزل قوله عزوجل (فَإِنْ عُثِرَ) الآية فقام عمرو بن العاص والمطلب بن أبى وداعة السهميان فحلفا بالله بعد العصر أنهما كذبا وخابا فدفع الإناء إليهما وفى رواية إلى أولياء الميت واعلم أنهما إن كانا وارثين لبديل فلا نسخ إلا فى وصف اليمين فإن الوارث لا يحلف على البنات وإلا فهو منسوخ (ذلِكَ) كلام مستأنف سيق لبيان أن ما ذكر* مستتبع للمنافع وارد على مقتضى الحكمة والمصلحة أى الحكم الذى تقدم تفصيله (أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها) أى أقرب إلى أن يؤدى الشهود الشهادة على وجهها الذى تحملوها عليه من غير تحريف ولا خيانة خوفا من العذاب الأخروى وهذه كما ترى حكمة شرعية التحليف بالتغليظ المذكور* وقوله تعالى (أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ) بيان لحكمة شرعية رد اليمين على الورثة معطوف على مقدر ينبىء عنه المقام كأنه قيل ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ويخافوا عذاب الآخرة بسبب اليمين الكاذبة أو يخافوا الافتضاح على رءوس الأشهاد بإبطال أيمانهم والعمل بأيمان الورثة فينزجروا عن الخيانة المؤدية إليه فأى الخوفين وقع حصل المقصد الذى هو الإتيان بالشهادة على وجهها وقيل هو عطف على يأتوا على معنى أن ذلك أقرب إلى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو إلى أن يخافوا الافتضاح برد اليمين على الورثة فلا يحلفوا على موجب شهادتهم إن لم يأتوا بها على وجهها فيظهر كذبهم بنكولهم وأما ما قيل من أن المعنى إن ذلك أقرب إلى أحد الأمرين اللذين أيهما وقع كان فيه الصلاح أداء الشهادة على الصدق والامتناع عن أدائها على الكذب فيأباه المقام إذ لا تعلق له بالحادثة أصلا ضرورة أن الشاهد مضطر فيها إلى الجواب فالامتناع عن الشهادة الكاذبة مستلزم للإتيان بالصادقة قطعا فليس هناك أمران أيهما وقع كان فيه الصلاح حتى يتوسط بينهما كلمة أو وإنما يتأتى ذلك فى شهود لم يتهموا بخيانة على أن إضافة الامتناع عن الشهادة الكاذبة إلى خوف رد اليمين على الورثة ونسبة الإتيان بالصادقة* إلى غيره مع أن ما يقتضى أحدهما يقتضى الآخر لا محالة تحكم بحت فتأمل (وَاتَّقُوا اللهَ) فى مخالفة أحكامه* التى من جملتها هذا الحكم (وَاسْمَعُوا) ما تؤمرون به كائنا ما كان سمع طاعة وقبول (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) الخارجين عن الطاعة أى فإن لم تتقوا ولم تسمعوا كنتم فاسقين والله لا يهدى القوم الفاسقين أى إلى طريق الجنة أو إلى ما فيه نفعهم.