(فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ) (٥٢)
____________________________________
* ووصفهم بعنوان الإيمان لحملهم من أول الأمر على الانزجار عما نهوا عنه بقوله عزوجل (لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) فإن تذكير اتصافهم بضد صفات الفريقين من أقوى الزواجر عن موالاتهما أى لا يتخذ أحد منكم أحدا منهم وليا بمعنى لا تصافوهم ولا تعاشروهم مصافاة الأحباب ومعاشرتهم* لا بمعنى لا تجعلوهم أولياء لكم حقيقة فإنه أمر ممتنع فى نفسه لا يتعلق به النهى (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) أى بعض كل فريق من دينك الفريقين أولياء بعض آخر من ذلك الفريق لا من الفريق الآخر وإنما أوثر الإجمال فى البيان تعويلا على ظهور المراد لوضوح انتفاء الموالاة بين فريقى اليهود والنصارى رأسا والجملة مستأنفة مسوقة لتعليل النهى وتأكيد إيجاب الاجتناب عن المنهى عنه أى بعضهم أولياء بعض متفقون على كلمة واحدة فى كل ما يأتون وما يذرون ومن ضرورته إجماع الكل على مضادتكم ومضارتكم بحيث* يسومونكم السوء ويبغونكم الغوائل فكيف يتصور بينكم وبينهم موالاة وقوله تعالى (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) حكم مستنتج منه فإن انحصار الموالاة فيما بينهم يستدعى كون من يواليهم منهم ضرورة أن الاتحاد فى الدين الذى عليه يدور أمر الموالاة حيث لم يكن بكونهم ممن يواليهم من المؤمنين تعين أن يكون ذلك بكون من يواليهم منهم وفيه زجر شديد للمؤمنين عن إظهار صورة الموالاة لهم وإن لم تكن* موالاة فى الحقيقة وقوله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) تعليل لكون من يتولاهم منهم أى لا يهديهم إلى الإيمان بل يخليهم وشأنهم فيقعون فى الكفر والضلالة وإنما وضع المظهر موضع ضميرهم تنبيها على أن توليهم ظلم لما أنه تعريض لأنفسهم للعذاب الخالد ووضع للشىء فى غير موضعه وقوله تعالى (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) بيان لكيفية توليهم وإشعار بسببه وبما يؤول إليه أمرهم والفاء للإيذان بترتبه على عدم الهداية والخطاب إما للرسول صلىاللهعليهوسلم بطريق التلوين وإما لكل أحد ممن له أهلية له وفيه مزيد تشنيع للتشنيع أى لا يهديهم بل يذرهم وشأنهم فتراهم الخ وإنما وضع موضع الضمير الموصول ليشار بما فى حيز صلته إلى أن ما ارتكبوه من التولى بسبب ما فى قلوبهم من مرض النفاق ورخاوة العقد فى الدين* وقوله تعالى (يُسارِعُونَ فِيهِمْ) حال من الموصول والرؤية بصرية وقيل مفعول ثان والرؤية قلبية والأول هو الأنسب بظهور نفاقهم أى تراهم مسارعين فى موالاتهم وإنما قيل فيهم مبالغة فى بيان رغبتهم فيها وتهالكهم عليها وإيثار كلمة فى على كلمة إلى للدلالة على أنهم مستقرون فى الموالاة وإنما مسارعتهم من بعض مراتبها إلى بعض آخر منها كما فى قوله تعالى (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) لا أنهم خارجون عنها متوجهون إليها كما فى قوله تعالى (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ) وقرىء فيرى بياء الغيبة على أن الضمير لله سبحانه وقيل لمن تصح منه الرؤية وقيل الفاعل هو الموصول والمفعول هو الجملة على حذف أن المصدرية والرؤية قلبية أى ويرى القوم الذين فى قلوبهم مرض أن يسارعوا فيهم فلما حذفت أن