(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ) (٥٣)
____________________________________
انقلب الفعل مرفوعا كما فى قول من قال [ألا أيهذا الزاجرى أحضر الوغى] والمراد بهم عبد الله بن أبى وأضرابه الذين كانوا يسارعون فى موادة اليهود ونصارى نجران وكانوا يعتذرون إلى المؤمنين بأنهم لا يأمنون أن تصيبهم صروف الزمان وذلك قوله تعالى (يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) وهو حال من* ضمير يسارعون والدائرة من الصفات الغالبة التى لا يذكر معها موصوفها أى تدور علينا دائرة من دوائر الدهر ودولة من دوله بأن ينقلب الأمر وتكون الدولة للكفار وقيل نخشى أن يصيبنا مكروه من مكاره الدهر كالجدب والقحط فلا يعطونا الميرة والقرض. روى أن عبادة بن الصامت رضى الله تعالى عنه قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم إن لى موالى من اليهود كثيرا عددهم وإنى أبرأ إلى الله ورسوله من ولايتهم وأوالى الله ورسوله فقال عبد الله بن أبى إنى رجل أخاف الدوائر لا أبرأ من ولاية موالى وهم يهود بنى قينقاع ولعله يظهر للمؤمنين أنه يريد بالدوائر المعنى الأخير ويضمر فى نفسه المعنى الأول وقوله تعالى (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) رد من جهة الله تعالى لعللهم الباطلة وقطع لأطماعهم الفارغة وتبشير للمؤمنين بالظفر فإن عسى منه سبحانه وعد محتوم لما أن الكريم إذا أطمع أطعم لا محالة فما ظنك بأكرم الأكرمين وأن يأتى فى محل النصب على أنه خبر عسى وهو رأى الأخفش أو على أنه مفعول به وهو رأى سيبويه لئلا يلزم الإخبار عن الجثة بالحدث كما فى قولك عسى زيد أن يقوم والمراد بالفتح فتح مكة قاله الكلبى والسدى وقال الضحاك فتح قرى اليهود من خيبر وفدك وقال قتادة ومقاتل هو القضاء الفصل بنصره صلىاللهعليهوسلم على من خالفه وإعزاز الدين (أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) بقطع شأفة اليهود من القتل والإجلاء (فَيُصْبِحُوا) أى أولئك* المنافقون المتعللون بما ذكر وهو عطف على يأتى داخل معه فى حيز خبر عسى وإن لم يكن فيه ضمير يعود إلى اسمها فإن فاء السببية مغنية عن ذلك فإنها تجعل الجملتين كجملة واحدة (عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ) * وهو ما كانوا يكتمونه فى أنفسهم من الكفر والشك فى أمره صلىاللهعليهوسلم وتعليق الندامة به لا بما كانوا يظهرونه من موالاة الكفرة لما أنه الذى كان يحملهم على الموالاة ويغريهم عليها فدل ذلك على ندامتهم عليها بأصلها وسببها (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) كلام مبتدأ مسوق لبيان كمال سوء حال الطائفة المذكورة وقرىء بغير واو على أنه جواب سؤال نشأ مما سبق كأنه قيل فماذا يقول المؤمنون حينئذ وقرىء ويقول بالنصب عطفا على يصبحوا وقيل على يأتى باعتبار المعنى كأنه قيل فعسى أن يأتى الله بالفتح ويقول الذين آمنوا والأول أوجه لأن هذا القول إنما يصدر عن المؤمنين عند ظهور ندامة المنافقين لا عند إتيان الفتح فقط والمعنى ويقول الذين آمنوا مخاطبين لليهود مشيرين إلى المنافقين الذين كانوا يوالونهم ويرجون دولتهم ويظهرون لهم غاية المحبة وعدم المفارقة عنهم فى السراء والضراء عند مشاهدتهم لخيبة رجائهم وانعكاس تقديرهم بوقوع ضد ما كانوا يترقبونه ويتعللون به تعجيبا للمخاطبين من حالهم وتعريضا بهم (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ