(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (٥٤)
____________________________________
(أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ) أى بالنصرة والمعونة كما قالوا فيما حكى عنهم وإن قوتلتم لننصرنكم واسم الإشارة مبتدأ وما بعده خبره والمعنى إنكار ما فعلوه واستبعاده وتخطئتهم فى ذلك أو يقول بعض المؤمنين لبعض مشيرين إلى المنافقين أيضا أهؤلاء الذين أقسموا للكفرة إنهم لمعكم فالخطاب فى معكم لليهود على التقديرين إلا أنه على الأول من جهة المؤمنين وعلى الثانى من جهة المقسمين وهذه الجملة لا محل لها من الإعراب لأنها تفسير وحكاية لمعنى أقسموا لكن لا بألفاظهم وإلا لقيل إنا معكم وجهد الأيمان أغلظها وهو فى الأصل مصدر ونصبه على الحال على تقدير وأقسموا بالله يجهدون جهد أيمانهم فحذف الفعل وأقيم المصدر مقامه ولا يبالى بتعريفه لفظا لأنه مؤول بنكرة أى مجتهدين فى أيمانهم أو على* المصدر أى أقسموا إقسام اجتهاد فى اليمين وقوله تعالى (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ) إما جملة مستأنفة مسوقة من جهته تعالى لبيان مآل ما صنعوه من ادعاء الولاية والإقسام على المعية فى المنشط والمكره إثر الإشارة إلى بطلانه بالاستفهام الإنكارى وإما خبر ثان للمبتدأ عند من يجوز كونه جملة كما فى قوله تعالى (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) أو هو الخبر والموصول مع ما فى حيز صلته صفة لاسم الإشارة فالاستفهام حينئذ للتقرير وفيه معنى التعجب كأنه قيل ما أحبط أعمالهم فما أخسرهم والمعنى بطلت أعمالهم التى عملوها فى شأن موالاتكم وسعوا فى ذلك سعيا بليغا حيث لم تكن لكم دولة فينتفعوا بما صنعوا من المساعى وتحملوا من مكابدة المشاق وفيه من الاستهزاء بالمنافقين والتقريع للمخاطبين ما لا يخفى وقيل قاله بعض المؤمنين مخاطبا لبعض تعجبا من سوء حال المنافقين واغتباطا بما من الله تعالى على أنفسهم من التوفيق للإخلاص أهؤلاء الذين أقسموا لكم بإغلاظ الأيمان إنهم أولياؤكم ومعاضدوكم على الكفار بطلت أعمالهم التى كانوا يتكلفونها فى رأى أعين الناس وأنت خبير بأن ذلك الكلام من المؤمنين إنما يليق بما لو أظهر المنافقون حينئذ خلاف ما كانوا يدعونه ويقسمون عليه من ولاية المؤمنين ومعاضدتهم على الكفار فظهر كذبهم وافتضحوا بذلك على رءوس الأشهاد وبطلت أعمالهم التى كانوا يتكلفونها فى رأى أعين المؤمنين ولا ريب فى أنهم يومئذ أشد ادعاء وأكثر إقساما منهم قبل ذلك فضلا عن أن يظهروا خلاف ذلك وإنما الذى يظهر منهم الندامة على ما صنعوا وليس ذلك علامة ظاهرة الدلالة على كفرهم وكذبهم فى ادعائهم فإنهم يدعون أن ليست ندامتهم إلا على ما أظهروه من موالاة الكفرة خشية إصابة الدائرة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) وقرىء يرتدد بالفك على لغة الحجاز والإدغام لغة تميم لما نهى فيما سلف عن موالاة اليهود والنصارى وبين أن موالاتهم مستدعية للارتداد عن الدين وفصل مصير أمر من يواليهم من المنافقين شرع فى بيان حال المرتدين على الإطلاق وهذا من الكائنات التى أخبر