(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (٤٢) فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) (٤٤)
____________________________________
لمشيئته المبنية على حكم خفية قد استأثر الله تعالى بعلمها فقد يقبله كما فى بعض دعواتهم المتعلقة بكشف العذاب الدنيوى وقد لا يقبله كما فى بعض آخر منها وفى جميع ما يتعلق بكشف العذاب الأخروى الذى من جملته الساعة وقوله تعالى (وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ) أى تتركون ما تشركونه به تعالى من الأصنام تركا كليا عطف* على (تَدْعُونَ) أيضا وتوسيط الكشف بينهما مع تقارنهما وتأخر الكشف عنهما لإظهار كمال العناية بشأن الكشف والإيذان بترتبه على الدعاء خاصة وقوله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا) كلام مستأنف مسوق لبيان أن منهم من لا يدعو الله تعالى عند إتيان العذاب أيضا لتماديهم فى الغى والضلال لا يتأثرون بالزواجر التكوينية كما لا يتأثرون بالزواجر التنزيلية وتصديره بالجملة القسمية لإظهار مزيد الاهتمام بمضمونه ومفعول أرسلنا محذوف لما أن مقتضى المقام بيان حال المرسل إليهم لا حال المرسلين أى وبالله لقد أرسلنا رسلا (إِلى أُمَمٍ) كثيرة (مِنْ قَبْلِكَ) أى كائنة من زمان قبل زمانك (فَأَخَذْناهُمْ) أى فكذبوا رسلهم* فأخذناهم (بِالْبَأْساءِ) أى بالشدة والفقر (وَالضَّرَّاءِ) أى الضر والآفات وهما صيغتا تأنيث لا مذكر لهما (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) أى لكى يدعوا الله تعالى فى كشفها بالتضرع والتذلل ويتوبوا إليه من كفرهم ومعاصيهم (فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا) أى فلم يتضرعوا حينئذ مع تحقق ما يستدعيه (وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ) استدراك عما قبله أى فلم يتضرعوا إليه تعالى برقة القلب والخضوع مع تحقق ما يدعوهم إليه ولكن ظهر منهم نقيضه حيث قست قلوبهم أى استمرت على ما هى عليه من القساوة أو ازدادت قساوة كقولك لم يكرمنى إذ جئته ولكن أهاننى (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) من الكفر والمعاصى فلم يخطروا* ببالهم أن ما اعتراهم من البأساء والضراء ما اعتراهم إلا لأجله وقيل الاستدراك لبيان أنه لم يكن لهم فى ترك التضرع عذر سوى قسوة قلوبهم والإعجاب بأعمالهم التى زينها الشيطان لهم وقوله تعالى (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) عطف على مقدر ينساق إليه النظم الكريم أى فانهمكوا فيه ونسوا ما ذكروا به من البأساء والضراء فلما نسوء (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) من فنون النعماء على منهاج الاستدراج لما روى أنه عليه الصلاة* والسلام قال مكر بالقوم ورب الكعبة وقرىء فتحنا بالتشديد للتكثير وفى ترتيب الفتح على النسيان المذكور إشعار بأن التذكر فى الجملة غير خال عن النفع وحتى فى قوله تعالى (حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا) * هى التى يبتدأ بها الكلام دخلت على الجملة الشرطية كما فى قوله تعالى (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا) الآية ونظائره وهى