(وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٤٨)
____________________________________
عذابه العاجل الخاص بكم كما أتى من قبلكم من الأمم (بَغْتَةً) أى فجأة من غير أن يظهر منه مخايل الإتيان* وحيث تضمن هذا معنى الخفية قوبل بقوله تعالى (أَوْ جَهْرَةً) أى بعد ظهور أماراته وعلائمه وقيل ليلا* أو نهارا كما فى قوله تعالى (بَياتاً أَوْ نَهاراً) لما أن الغالب فيما أتى ليلا البغتة وفيما أتى نهارا الجهرة وقرىء بغتة أو جهرة وهما فى موضع المصدر أى إتيان بغتة أو إتيان جهرة وتقديم البغتة لكونها أهول وأفظع وقوله تعالى (هَلْ يُهْلَكُ) متعلق الاستخبار والاستفهام للتقرير أى قل لهم تقريرا لهم باختصاص الهلاك بهم* أخبرونى إن أتاكم عذابه تعالى حسبما تستحقونه هل يهلك بذلك العذاب إلا أنتم أى هل يهلك غيركم ممن لا يستحقه وإنما وضع موضعه (إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) تسجيلا عليهم بالظلم وإيذانا بأن مناط إهلاكهم* ظلمهم الذى هو وضعهم الكفر موضع الإيمان وقيل المراد بالظالمين الجنس وهم داخلون فى الحكم دخولا أوليا قال الزجاج هل يهلك إلا أنتم ومن أشبهكم ويأباه تخصيص الإتيان بهم وقيل الاستفهام بمعنى النفى فمتعلق الاستخبار حينئذ محذوف كأنه قيل أخبرونى إن أتاكم عذابه تعالى بغتة أو جهرة ماذا يكون الحال ثم قيل بيانا لذلك ما يهلك إلا القوم الظالمون أى ما يهلك بذلك العذاب الخاص بكم إلا أنتم فمن قيد الهلاك بهلاك التعذيب والسخط لتحقيق الحصر بإخراج غير الظالمين لما أنه ليس بطريق التعذيب والسخط بل بطريق الإثابة ورفع الدرجة فقد أهمل ما يجديه واشتغل بما لا يعينه وأخل بجزالة النظم الكريم وقرىء هل يهلك من الثلاثى (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ) كلام مستأنف مسوق لبيان وظائف منصب الرسالة على الإطلاق وتحقيق ما فى عهدة الرسل عليهمالسلام وإظهار أن ما يقترحه الكفرة عليه عليهالسلام ليس مما يتعلق بالرسالة أصلا وصيغة المضارع لبيان أن ذلك أمر مستمر جرت عليه العادة الإلهية وقوله تعالى (إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) حالان مقدرتان من (الْمُرْسَلِينَ) أى ما نرسلهم إلا مقدرا تبشيرهم وإنذارهم ففيهما* معنى العلة الغائية قطعا أى ليبشروا قومهم بالثواب على الطاعة وينذروهم بالعذاب على المعصية أى ليخبروهم بالخبر السار والخبر الضار دنيويا كان أو أخرويا من غير أن يكون لهم دخل ما فى وقوع المخبر به أصلا وعليه يدور القصر والإلزم أن لا يكون بيان الشرائع والأحكام من وظائف الرسالة والفاء فى قوله تعالى (فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ) لترتيب ما بعدها على ما قبلها ومن موصولة والفاء فى قوله تعالى* (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) لشبه الموصول بالشرط أى لا خوف عليهم من العذاب الذى أنذروه* دنيويا كان أو أخرويا ولا هم يحزنون بفوات ما بشروا به من الثواب العاجل والآجل وتقديم نفى الخوف على نفى الحزن لمراعاة حق المقام وجمع الضمائر الثلاثة الراجعة إلى من باعتبار معناها كما أن إفراد الضميرين السابقين باعتبار لفظها أى لا يعتريهم ما يوجب ذلك لا أنه يعتريهم لكنهم لا يخافون ولا يحزنون والمراد بيان دوام انتفائهما لا بيان انتفاء دوامهما كما يوهمه كون الخبر فى الجملة الثانية مضارعا