(وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (٥١)
____________________________________
عبارة عن تلقى الوحى من جهة الله عزوجل والعمل بمقتضاه فحسب حسبما ينبىء عنه قوله تعالى (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) لا على معنى تخصيص اتباعه صلىاللهعليهوسلم بما يوحى إليه دون غيره بتوجيه القصر إلى المفعول بالقياس إلى مفعول آخر كما هو الاستعمال الشائع الوارد على توجيه القصر إلى ما يتعلق بالفعل باعتبار النفى فى الأصل والإثبات فى القيد بل على معنى تخصيص حاله صلىاللهعليهوسلم باتباع ما يوحى إليه بتوجيه القصر إلى نفس الفعل بالقياس إلى ما يغره من الأفعال لكن لا باعتبار النفى والإثبات معا فى خصوصية فإن ذلك غير ممكن من الأفعال قطعا بل باعتبار النفى فيما يتضمنه من مطلق الفعل والإثبات فيما يقارنه من المعنى المخصوص فإن كل فعل من الأفعال الخاصة كنصر مثلا ينحل عند التحقيق إلى معنى مطلق هو مدلول لفظ الفعل وإلى معنى خاص يقومه فإن معناه فعل النصر يرشدك إلى ذلك قولهم معنى فلان يعطى ويمنع يفعل الإعطاء والمنع فمورد القصر فى الحقيقة ما يتعلق بالفعل بتوجيه النفى إلى الأصل والإثبات إلى القيد كأنه قيل ما أفعل إلا اتباع ما يوحى إلى من غير أن يكون لى مدخل ما فى الوحى أو فى الموحى بطريق الاستدعاء أو بوجه آخر من الوجوه أصلا (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) مثل للضال والمهتدى على الإطلاق والاستفهام إنكارى والمراد إنكار استواء من لا يعلم ما ذكر من الحقائق ومن يعلمها وفيه من الإشعار بكمال ظهورها ومن التنفير عن الضلال والترغيب فى الاهتداء ما لا يخفى وتكرير الأمر لتثنية التبكيت وتأكيد الإلزام وقوله تعالى (أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) تقريع وتوبيح داخل تحت الأمر والفاء للعطف* على مقدر يقتضيه المقام أى ألا تسمعون هذا الكلام الحق فلا تتفكرون فيه أو أتسمعون فلا تتفكرون فيه فمناط التوبيخ فى الأول عدم الأمرين معا وفى الثانى عدم التفكر مع تحقق ما يوجبه (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ) بعد ما حكى لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أن من الكفرة قوما لا يتعظون بتصريف الآيات الباهرة ولا يتأثرون بمشاهدة المعجزات القاهرة قد إيفت مشاعرهم بالكلية والتحقوا بالأموات وقرر ذلك بأن كرر عليهم من فنون التبكيت والإلزام ما يلقمهم الحجر أى إلقام فأبوا إلا الإباء والنكير وما نجع فيهم عظة ولا تذكير وما أفادهم الإنذار إلا الإصرار على الإنكار أمر عليه الصلاة والسلام بتوجيه الإنذار إلى من يتوقع منهم التأثر فى الجملة وهم المجوزون منهم للحشر على الوجه الآتى سواء كانوا جازمين بأصله كأهل الكتاب وبعض المشركين المعترفين بالبعث المترددين فى شفاعة آبائهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كالأولين أو فى شفاعة الأصنام كالآخرين أو مترددين فيهما معا كبعض الكفرة الذين يعلم من حالهم أنهم إذا سمعوا بحديث البعث يخافون أن يكون حقا وأما المنكرون للحشر رأسا والقائلون به القاطعون بشفاعة آبائهم أو بشفاعة الأصنام فهم خارجون ممن أمر بإنذارهم وقد قيل هم المفرطون فى الأعمال من المؤمنين ولا يساعده سباق النظم الكريم ولا سياقه بل فيه ما يقضى باستحالة صحته كما ستقف عليه