(فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣١) وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) (١٣٢)
____________________________________
الشدة ترقق القلوب وترغب فيما عند الله عزوجل وفى الرجوع إليه تعالى ألا يرى إلى قوله تعالى (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) وقد مر تحقيق القول فى لعل وفى محلها فى تفسير قوله تعالى (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فى أوائل سورة البقرة وقوله تعالى (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ) الخ بيان لعدم تذكرهم وتماديهم فى الغى أى* فإذا جاءتهم السعة والخصب وغيرهما من الخيرات (قالُوا لَنا هذِهِ) أى لأجلنا واستحقاقنا لها (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) أى جدب وبلاء (يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) أى يتشاءموا بهم ويقولوا ما أصابتنا إلا بشؤمهم وهذا كما ترى شاهد بكمال قساوة قلوبهم ونهاية جهلهم وغباوتهم فإن الشدائد ترقق القلوب وتلين العرائك لا سيما بعد مشاهدة الآيات وقد كانوا بحيث لم يؤثر فيهم شىء منها بل ازدادوا عتوا وعنادا وتعريف الحسنة وذكرها بأداة التحقيق للإيذان بكثرة وقوعها وتعلق الإرادة بها بالذات كما أن تنكير السيئة* وإيرادها بحرف الشك للإشعار بندرة وقوعها وعدم تعلق الإرادة بها إلا بالعرض وقوله تعالى (أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ) استئناف مسوق من قبله تعالى لرد مقالتهم الباطلة وتحقيق الحق فى ذلك وتصديره بكلمة التنبيه لإبراز كمال العناية بمضمونه أى ليس سبب خيرهم إلا عنده تعالى وهو حكمه ومشيئته المتضمنة للحكم والمصالح أو ليس سبب شؤمهم وهو أعمالهم السيئة إلا عنده تعالى أى مكتوبة لديه فإنها* التى ساقت إليهم ما يسوؤهم لا ما عداها وقرىء إنما طيرهم وهو اسم جمع طائر وقيل جمع له (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ذلك فيقولون ما يقولون مما حكى عنهم وإسناد عدم العلم إلى أكثرهم للإشعار بأن بعضهم يعلمون أن ما أصابهم من الخير والشر من جهة الله تعالى أو يعلمون أن ما أصابهم من المصائب والبلايا ليس إلا بما كسبت أيديهم ولكن لا يعملون بمقتضاه عنادا واستكبارا (وَقالُوا) شروع فى بيان بعض آخر مما أخذ به آل فرعون من فنون العذاب التى هى فى أنفسها آيات بينات وعدم ارعوائهم مع ذلك عما كانوا عليه من الكفر والعناد أى قالوا بعد ما رأوا ما رأوا من شأن العصا والسنين ونقص الثمرات* (مَهْما تَأْتِنا بِهِ) كلمة مهما تستعمل للشرط والجزاء وأصلها ما الجزائية ضمت إليها ما المزيدة للتأكيد كما ضمت إلى أين وإن فى أينما تكونوا وإما نذهبن بك خلا أن ألف الأولى قلبت هاء حذرا من تكرير المتجانسين هذا هو الرأى السديد وقيل مه كلمة يصوت بها الناهى ضمت إليها ما الشرطية ومحلها الرفع* بالابتداء أو النصب بفعل يفسره ما بعدها أى أى شىء تظهره لدينا وقوله تعالى (مِنْ آيَةٍ) بيان لمهما وتسميتهم إياها آية لمجاراتهم على رأى موسى عليهالسلام واستهزائهم بها وللإشعار بأن عنوان كونها آية لا يؤثر* فيهم وقوله تعالى (لِتَسْحَرَنا بِها) إظهار لكمال الطغيان والغلو فيه وتسمية للإرشاد إلى الحق بالسحر وتسكير الأبصار والضمير ان المجروران راجعان إلى مهما وتذكير الأول لمراعاة جانب اللفظ لإبهامه