وقد مثّلت مسألة خلافة وإمامة الإمام الثاني عشر عليهالسلام ، وغيبته ، وما يرتبط بها ، الحلقة الأوسع ، والميدان الأرحب ، بل وأكثرها خضوعاً للجدل الفكري ، والنزال الكلامي المتواصل ، والذي ندر أن جالت خُطى المتناظرين في التحاجج بمعتقد ـ بعد أصل الإمامة الذي أشرنا اليه ـ قدر ما جالت في جوانبها وأبعادها ، مراراً متلاحقة ومتوالية ، بحيث لم تترك شاردة ولا واردة إلا وأقامتها بحثاً لها عن الحجة والدليل ، والبيّنة والبرهان.
ولا مغالاة ـ قطعاً ـ في القول بأنّ لمفكّري ومتكلّمي الإماميّة طوال حقب الجدل والمناظرة الفكرية المتلاحقة هذا الباع الطويل ، والمدى العميق الغور في إثبات وإقرار معتقداتهم ، وإفحام خصومهم بحججهم القائمة على الأدّلة المتينة والثابتة القوية.
نعم ، فإذا ثبت بالدليلين العقلي والنقلي صحّة مقولة الشيعة الإماميّة بأصل الإمامة ، وعصمة الإمام ، وأنسحاب ذلك كله على إمامة الإمام الثاني عشر عليهالسلام، وما يعنيه ذلك من احتوائه لمبدأ الإقرار بالغَيْبة الحاصلة له عليهالسلام ، وما تشتمل عليه وتحيط به ، فإنّ ذلك يستلزم تبعاً لذلك ـ ونتيجة الخلاف العقائدي في التعامل معه من قِبَل غير الشيعة من الفرق الإسلامية المختلفة ـ توفّر ووسائل المحاجّة المستندة على هذين الدليلين المتقدّمين ، والتي تتجسّد في أوضح صورها بما نسمّيه ب : علم الكلام ، الذي يراد منه إثبات حقيقة وصواب هذه العقائد.
ولعلّ الاستقراء المتأنّي لمجمل هذه المساجلات الكلامية التي اضطلع بها مفكّرو الإماميّة ، وبالتحديد ما يتعلّق منها بمبحث غَيْبة الإمام المهدي عليهالسلام يظهر بجلاء بيّن قدرتهم الكبيرة في إدارة حلقات البحث هذه ، وإمساكهم بجدارة لا تساجل زمامها وقيادها ، وتسليم الخصم ـ إقراراً وإذعاناً ـ بذلك ، وطوال سنين ودهور امتدّت منذ بداية عصر الغَيْبة الكبرى في عام ٣٢٩ ه ،