ولا شكلا ، ولا مكانا ، ولا حيزا. فثبت بمجموع هذه الوجوه : أن أن العقل من حيث انه هو ، لا يستبعد تصور معقول حال ما لا يعتبر له مكانا ولا جهة ولا قدرا ولا شكلا. فثبت: أن العلم بما تناع هذا الموجود ليس من العلوم البديهية.
المقدمة الثانية : ان مرادنا بقولنا : ان الشيء الفلانى مختص بالمكان والجهة ، أنه يمكن أن يشار إليه اشارة حسية بأنه هنا أو هناك. ولا شك أن العالم فى المكان والجهة بهذا التفسير ، فلو كان البارى تعالى مختصا بالمكان والجهة بهذا التفسير ، لم يخل الحال من أحد أمرين. وهو اما أن يكون البارى تعالى مماسا للعالم ، أو محاذيا له. فأما أن يكون البارى تعالى مشارا إليه بحسب الحس بأنه هنا أو هناك ، مع أنه لا يكون مماسا للعالم ولا محاذيا له فهذا غير معقول.
المقدمة الثالثة : ذهب السواد الأعظم من العقلاء الى أنه تعالى منزه فى وجوده عن المكان والحيز والجهة : وقالت «الكرامية» : انه مختص بجهة فوق. وهذا القول بحسب القسمة العقلية يحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يقال : انه مماس للعرش.
وثانيها : انه مباين للعرش ببعد متناه ، وأكثر طوائف «الكرامية» قائلون بأحد هذين القولين.
وثالثها : أن يقال : انه تعالى مباين للعرش ببعد لا نهاية له. وهذا هو قول «الهيضمية» واعلم : أن هذا القول اما أن يكون نفيا لكونه تعالى فى الجهة ، أو يكون قولا غير معقول. وذلك لأنه اذا كان العالم فى أحد الجانبين ، وذات البارى تعالى فى الجانب الآخر ، كان البعد بينهما محصورا. والقول بأن ما لا نهاية له محصور بين حاصرين ، لا يقوله من يفهم معانى هذه الألفاظ.