واذ قد لخصنا هذه المقدمات. فلنرجع الى ذكر الدلائل :
الحجة الأولى : كل ما كان فى جهة فاما أن يكون غير محتمل للقسمة ، واما أن يكون محتملا للقسمة. فان لم يكن محتملا للقسمة ، مع أنه مشار إليه بحسب الحس ، كان فى الصغر والحقرة كالجوهر الفرد. والخصوم وافقوا على أنه يجب تنزيه الله تعالى عن هذه الصفة. وأما ان كان مشارا إليه مع أنه محتمل للقسمة ، كان جسما مركبا من الأجزاء والأبعاض. وحينئذ يرجع الكلام الى المسألة الأولى ولهذا اسر اتفق أصحابنا على أن كل من أثبت الله تعالى فى الحيز والجهة ، لا بد وأن يعترف بكونه مركبا من الأجزاء والأبعاض.
واعلم : أن أصحابنا عبروا عن هذه الدلالة بأن قالوا : او كان فى جهة فوق ، لكان اما أن يكون أكبر من العرش ، أو مساويا له. أو اصغر منه. فان كان أكبر من العرش كان القدر المساوى منه العرش ، مغايرا للقدر الفاضل منه من العرش. فيكون مركبا من الأجزاء والأبعاض ، وان كان مساويا للعرش ـ وثبت أن العرش منقسم من الأجزاء والأبعاض ـ كان المساوى له فى المقدار منقسما ، مركبا من الأجزاء والأبعاض. وان كان أصغر من العرش ، فاما أن يكون قد بلغ فى الصغر الى أن كان مساويا للجوهر الفرد ، والجزء الّذي لا يتجزأ ، فيكون فى غاية الصغر والحقارة ـ وجل ربنا عن ذلك باتفاق العقلاء ـ واما أن يكون أكبر من الجوهر الفرد ، ويعود القول بالتركيب والقسمة.
واعلم : أن على قول من يقول : كل متحيز فهو قابل للقسمة أبدا ، لا نحتج الى ذكر هذا التقسيم ، بل نقول : كل ما كان مشار إليه بحسب الحس ، فانه لا بد وأن يتميز يمينه عن يساره وقدامه عن ورائه وفوقه عن تحته ، فيكون منقسما مركبا من الأجزاء وإلا بعض وذلك مما بينا امتناعه فى المسألة السابقة.