الحجة الثانية : كل ما كان مشارا إليه بحسب الحس ، فانه لا بد وأن يتميز يمينه عن يساره. فهو متناه من جميع الجوانب. وكل ما كان متناهيا من جميع الجوانب ، فهو محدث. وانما قلنا : ان كل ما كان مشار إليه بحسب الحس فهو متناه من جميع الجوانب لوجهين :
الأول : البرهان المذكور وفى مسألة حدوث الأجسام على تناهى الأبعاد. وذلك هو العمدة القوية التى لا ريب فيها.
الثانى : انه تعالى لو كان غير متناه ، لكان اما أن يكون غير متناه من جميع الجوانب ، أو بعض الجوانب. لا جائز أن يكون غير متناه من جميع الجوانب. لأن على هذا التقدير ، يلزم أن يكون العالم ساريا فى ذات الله تعالى وحالا فيه. ويلزم : أن تكون ذاته مخالطة للقذورات ـ تعالى الله عن هذا المقال ، وعن هذا الوهم والخيال ـ ولا جائز أن يقال : انه غير متناه من بعض الجهات دون البعض. وذلك لأن الجانب المتناهى من ذاته ، اما أن يكون مساويا للجانب الآخر ـ الّذي هو غير متناه فى الحقيقة والماهية ـ واما أن لا يكونا متساويين. فان كان الأول فكل شيئين متساويين من جميع الوجوه ، فكل ما يصح على أحدهما يصح على الآخر ، فيلزم ان يقال : الجانب الّذي هو غير متناه ، يصح أن ينقلب متناهيا ، والجانب الّذي هو متناه يصح أن ينقلب غير متناه فيكون الفصل والوصل والتركيب والتفرق جائزا على ذات الله تعالى ، فيفتقر ذلك التأليف الى مؤلف ، وذلك التركيب الى مركب. وذلك على خالق العالم محال ممتنع. واما ان كان الجانب المتناهى مخالفا فى الماهية للجانب الّذي هو غير متناه ، فكل ذات كانت مركبة من اجزاء مختلفة فى الماهية والطبيعة ، فلا بد وأن ينتهى فى ذلك التركيب الى أجزاء يكون كل واحد منها فى نفسه بسيطا خاليا من التركيب فالجزء الواحد من تلك الاجزاء البسيطة لا بد وأن يماس بيمينه شيئا ، وبيساره شيئا آخر