ذلك الّذي ماسه بيمينه يمكن أن يماسه بيساره ، وبالضد. واذا كان ذلك جائزا كان التفرق على تلك الاجزاء جائزا. فحينئذ يكون التأليف والتركيب والتفرق جائزا على تلك الأجزاء ومتى كان الأمر كذلك ، افتقر تأليفها وتركيبها الى مؤلف ومركب. وكل ذلك محال.
نثبت بما ذكرنا : أنه تعالى لو كان مشارا إليه بحسب الحس ، لكان متناهيا من جميع الجوانب. ونقول : انه متى كان كذلك ، وجب أن يكون محدثا. وذلك لأن كل ما كان متناهيا من جميع الجوانب ، كان وجوده أزيد مما وجد ، أو أنقص مما وجد ـ جائزا ـ واذا كان كذلك ، كان اختصاصه بذلك القدر المعين من الجائزات ، مفتقرا الى مخصص ومقدر. وذلك على خالق العالم محال.
وأيضا اذا كان متناهيا من كل الجوانب ، لم يكن فوق كل الموجودات. لأن فوقه أمكنة خالية عنه. فلم يكن فوق لكل. والخصم ينكر ذلك ولا يرضاه. فثبت : أن كونه تعالى مشارا إليه بحسب الحس : محال.
الحجة الثالثة : لو كان ذاته مختصا بمكان وجهة ، لكان اما أن يصح عليه أن يخرج منها ، أو لا يصح. فان صح لزم كونه محلا للحركة والسكون. وكل ما كان كذلك كان محدثا ـ على ما بيناه فى مسألة حدوث الأجسام ـ وان تعذر عليه الخروج منها ، كان كالزمن المقعد العاجز عن الحركة. وذلك صفة نقص. وهو على الله تعالى محال.
الحجة الرابعة : وهو انه تعالى لو كان فى مكان وجهة. فهذا المكان الّذي حكم الخصم بأنه تعالى فيه اما أن يكون موجودا ، أو معدوما. فان كان موجودا فالبارى تعالى مختص بالمكان والجهة من الأزل الى الأبد ، فحينئذ كان ذلك المكان موجودا مع الله فى الأزل. وهو محال. لان ذلك المكان لما كان موجودا ، وكان قابلا للقسمة ، كان ذلك عين الجسم فكان هذا قولا بقدم الأجسام.