وأيضا : المكان لا يفتقر فى وجوده الى المتمكن. لأن الخلاء جائز بالاتفاق ، وأما البارى تعالى فانه عند الخصم يمتنع وجوده فى غير الحيز والجهة. فعلى هذا يكون البارى تعالى مفتقرا فى وجوده وتحققه الى وجود المكان ، ووجود المكان غنيا عنه ، فكان تعالى على هذا التقدير ممكنا لذاته ، مفتقرا الى غيره. وكان المكان واجبا لذاته غنيا عن غيره ، فكان المكان أولى بأن يكون هو الاله ـ سبحانه وتعالى ـ والاله أولى بأن يكون العبد. وكل ذلك ساقط من القول.
وأما : ان قيل : بأن المكان الّذي حكم الخصم بكونه تعالى حالا فيه ، معدوم صرف ونفى محض. فهذا محال من القول. لأن النفى المحض والعدم الصرف لا تخصص له ولا تعين له ، وما كان كذلك استحال القول بحصول الموجود فيه فثبت : أن القول بحصول البارى تعالى فى المكان محال.
فان قيل : فهذا الاشكال بعينه وارد فى كون الجسم فى المكان.
قلنا : المراد بكون الجسم فى المكان كونه بحيث يمكن الاشارة الى كل واحد من جوانبه بأنه غير الآخر ، وبأنه متصل به ومماس له. ويرجع حاصل كونه فى المكان والجهة الى مقداره واتصال بعض أجزائه بالبعض. فان أردتم بقولكم : «الله تعالى فى المكان» : هذا المعنى. كان هذا تصريحا بكونه تعالى مركبا من الاجزاء والأبعاض. وحينئذ يرجع الكلام الى المسألة الأولى.
الحجة الخامسة : الأحياز والجهات اما ن تكون متساوية فى الماهية ، أو مختلفة فى الماهية. فان كان الأول لزم من صحة اختصاص البارى تعالى ببعض الأحياز ، صحة اختصاصه بسائر الأحياز ، بدلا عن ذلك الحيز ، واذا كان حصوله فى كل واحد منها بدلا عن الآخر ،