أمرا جائزا ، كان حصوله فى بعض تلك الاحياز امرا جائزا ـ فيفتقر ذلك الاختصاص الى المخصص وهو على القديم محال. وأما ان قلنا بأن الاحياز مختلفة فى الماهية والحقيقة ، فلعل خاصية بعض تلك الاحياز ، اقتضى حصول ذات الله تعالى فيه ، وخاصية بعضها اقتضى امتناع حصول ذات الله فيه.
فنقول : هذه الأحياز أشياء متباينة بالعدد ومتباينة بالماهية ، ولكل واحد منها خاصية معينة وصفة معينة. فهى اشياء موجودة قائمة بأنفسها ، موجودة فى الأزل. فاذا كانت هذه الأحياز غير متناهية ، كان قد وجد مع الله تعالى فى الأزل : موجودات قائمة بالنفس ، غير متناهية. وذلك لا يرتضيه المسلم (٦) فثبت : أن القول بأن الله تعالى فى الجهة محال.
الحجة السادسة : العالم كره. واذا كان كذلك ، وجب أن لا يكون فى الجهة أصلا. انما قلنا : ان العالم كرة. وذلك لأنا اذ ارصدنا كسوفا قمريا. فاذا وجدناه فى البلاد الشرقية فى أول الليل ، وجدناه فى البلاد الغربية فى الآخر الليل. فعلمنا : أن أول الليل فى المشرق ، هو آخر الليل بعينه فى المغرب. وذلك يدل على أن العالم كرة.
اذا ثبت هذا فنقول : الجهة التى فوق رأسنا ، هى بعينها أسفل لأولئك الذين يكونون على ذلك الوجه الآخر من الأرض. فلو كان تعالى فوقا لنا ، لكان أسفل بالنسبة الى سكان ذلك الجانب الآخر من الأرض. ولو كان فوقا لهم ، لكان أسفل بالنسبة إلينا. فثبت : أنه لو كان فى جهة لوجب أن يكون أسفل بالنسبة الى بعض الجوانب. ولما كان ذلك باطلا ، ثبت : أنه يمتنع كونه تعالى فى المكان والجهة.
احتج الخصم بالعقل والنقل.
__________________
(٦) الخصم المسلم : ب.