أما العقل : فهو أنه تعالى لا بد وأن يكون فى حيز وجهة. واذا ثبت هذا ، وجب أن يكون فى جهة الفوق.
أما المقام الأول : وهو أنه تعالى فى الحيز والجهة ، فاحتجوا عليه بوجهين :
الأول : ان كل موجودين. لا بد وأن يكون أحدهما ساريا فى الآخر ، كالعرض السارى فى الجوهر ، أو يكون مباينا عنه بالجهة ، كالجسمين. والعلم بذلك ضرورى.
والثانى : ان الجسم مختص بالحيز والجهة. وانما كان كذلك ، لأنه قائم بالنفس. والله ـ تعالى ـ يشاركه فى كونه قائما بالنفس ، فوجب أن يكون مشاركا له فى الحصول فى الجهة.
وأما المقام الثانى : وهو أنه تعالى لما ثبت أنه يجب أن يكون فى الجهة. ونقول : يجب أن تكون تلك الجهة هى جهة فوق فيدل عليه وجهان :
الأول : ان أشرف الجهات جهة فوق ، وتخصيص أشرف الجهات بأشرف الموجودات ، هو المناسب المعقول.
والثانى : ان الخلق بمجرد طباعهم وقلوبهم السلمية يرفعون الأيدى الى جهة العلو ، عند الدعاء والتضرع. وذلك يدل على أن فطرتهم تشهد بأن معبودهم فى جهة العلو.
وأما النقل : فهو الألفاظ الموهمة لاثبات الجهة. كقوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٧) وقوله تعالى : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) (٨) : وقوله تعالى : (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) (٩)
__________________
(٧) طه ٥
(٨) الأنعام ٦١
(٩) النحل ٥