سبحانه وتعالى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) يعني المشركين (اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ) أي شهيد على أعمالهم يحصيها ويعدها عدا ، وسيجزيهم بها أوفر الجزاء (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) أي إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل.
(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧) وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (٨)
يقول تعالى وكما أوحينا إلى الأنبياء قبلك (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا) أي واضحا جليا بينا (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى) وهي مكة (وَمَنْ حَوْلَها) أي من سائر البلاد شرقا وغربا ، وسميت مكة أم القرى لأنها أشرف من سائر البلاد لأدلة كثيرة مذكورة في مواضعها ، ومن أوجز ذلك وأدله ما قال الإمام أحمد (١) : حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب عن الزهري حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن قال : إن عبد الله بن عدي بن الحمراء الزهري أخبره أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول وهو واقف بالحزورة (٢) في سوق مكة «والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت» (٣) وهكذا رواية الترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث الزهري به وقال الترمذي حسن صحيح.
وقوله عزوجل : (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ) وهو يوم القيامة يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد وقوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ) أي لا شك في وقوعه وأنه كائن لا محالة.
وقوله جل وعلا : (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) كقوله تعالى : (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) [التغابن : ٩] أي يغبن أهل الجنة أهل النار ، وكقوله عزوجل : (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) [هود : ١٠٣ ـ ١٠٥].
قال الإمام أحمد (٤) حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا ليث حدثني أبو قبيل المعافري عن شفي الأصبحي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : خرج علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفي يده كتابان فقال : «أتدرون ما هذان الكتابان؟» قال : قلنا لا إلا أن تخبرنا يا رسول الله. قال صلىاللهعليهوسلم للذي في يده اليمنى : «هذا كتاب من رب العالمين بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم ـ ثم
__________________
(١) المسند ٤ / ٣٠٥.
(٢) الحزورة : موضع بمكة.
(٣) أخرجه الترمذي في المناقب باب ٦٨ ، وابن ماجة في المناسك باب ١٠٣ ، والدرامي في السير باب ٦٦.
(٤) المسند ٢ / ١٦٧.