وقال الإمام أحمد (١) حدثنا يحيى عن سفيان عن صفوان بن سليم ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال سفيان : لا أعلم إلا عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، أو أثرة من علم ، قال : الخط. وقال أبو بكر بن عياش : أو بقية من علم. وقال الحسن البصري : أو أثارة شيء يستخرجه فيثيره. وقال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وأبو بكر بن عياش أيضا : أو أثارة من علم يعني الخط. وقال قتادة : أو أثارة من علم خاصة من علم وكل هذه الأقوال متقاربة. وهي راجعة إلى ما قلناه وهو اختيار ابن جرير رحمهالله وأكرمه وأحسن مثواه.
وقوله تبارك وتعالى : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ) أي لا أضل ممن يدعو من دون الله أصناما ، ويطلب ما لا تستطيعه إلى يوم القيامة ، وهي غافلة عما يقول لا تسمع ولا تبصر ولا تبطش ، لأنها جماد حجارة صم ، وقوله تبارك وتعالى : (وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) كقوله عزوجل : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) [مريم : ٨١ ـ ٨٢] أي سيخونونهم أحوج ما يكونون إليهم. وقال الخليل عليه الصلاة والسلام : (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) [العنكبوت : ٢٥].
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ(٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٨) قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٩)
يقول عزوجل مخبرا عن المشركين في كفرهم وعنادهم : أنهم إذا تتلى عليهم آيات الله بينات أي في حال بيانها ووضوحها وجلائها يقولون (هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) أي سحر واضح وقد كذبوا وافتروا وضلوا وكفروا (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) يعنون محمدا صلىاللهعليهوسلم قال الله عزوجل : (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي لو كذبت عليه وزعمت أنه أرسلني وليس كذلك لعاقبني أشد العقوبة ، ولم يقدر أحد من أهل الأرض لا أنتم ولا غيركم ، أن يجيرني منه ، كقوله تبارك وتعالى : (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ) [الجن: ٢٢ ـ ٢٣] وقال تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) [الحاقة : ٤٤ ـ ٤٧] ولهذا قال سبحانه وتعالى هاهنا : (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ
__________________
(١) المسند ١ / ٢٢٦.