خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (٤٧) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩) إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ) (٥٠)
يقول تعالى مخبرا عما يعذب به الكافرين الجاحدين للقائه : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ) والأثيم : أي في قوله وفعله ، وهو الكافر ، وذكر غير واحد أنه أبو جهل ، ولا شك في دخوله في هذه الآية ، ولكن ليست خاصة به. قال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث أن أبا الدرداء كان يقرئ رجلا (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ) فقال : طعام اليتيم ، فقال أبو الدرداء رضي الله عنه : قل إن شجرة الزقوم طعام الفاجر أي ليس له طعام من غيرها ، قال مجاهد : ولو وقعت قطرة في الأرض لأفسدت على أهل الأرض معيشتهم ، وقد تقدم نحوه مرفوعا ، وقوله : (كَالْمُهْلِ) قالوا : كعكر الزيت (يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) أي من حرارتها ورداءتها ، وقوله : (خُذُوهُ) أي الكافر ، وقد ورد أنه تعالى إذا قال للزبانية (خُذُوهُ) ابتدره سبعون ألفا منهم ، وقوله : (فَاعْتِلُوهُ) أي سوقوه سحبا ودفعا في ظهره ، قال مجاهد (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ) أي خذوه فادفعوه ، وقال الفرزدق : [الكامل]
ليس الكرام بناحليك أباهم |
|
حتى تردّ إلى عطيّة تعتل (١) |
(إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ) أي وسطها (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ) كقولهعزوجل : (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ) [الحج : ١٩ ـ ٢٠] وقد تقدم أن الملك يضربه بمقمعة من حديد ، فتفتح دماغه ثم يصب الحميم على رأسه فينزل في بدنه ، فيسلت ما في بطنه من أمعائه حتى تمرق من كعبيه ، أعاذنا الله تعالى من ذلك. وقوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) أي قولوا له ذلك على وجه التهكم والتوبيخ ، وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : أي لست بعزيز ولا كريم.
وقد قال الأموي في مغازيه : حدثنا أسباط بن محمد ، حدثنا أبو بكر الهذلي عن عكرمة قال : لقي رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبا جهل لعنه الله فقال : «إن الله تعالى أمرني أن أقول لك ، (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) [القيامة : ٣٤ ـ ٣٥] قال : فنزع ثوبه من يده وقال : ما تستطيع لي أنت ولا صاحبك من شيء ، ولقد علمت أني أمنع أهل البطحاء وأنا العزيز الكريم ، قال فقتله الله يوم بدر وأذله وعيره بكلمته وأنزل : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ). وقوله عزوجل : (إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ) كقوله تعالى : (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) [الطور : ١٣ ـ ١٥] ولهذا قال تعالى هاهنا : (إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ).
__________________
(١) البيت في ديوان الفرزدق ٢ / ١٦٠ ، وتفسير الطبري ١١ / ٢٤٥.