رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر والتمكين في الأرض فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب» (١) وقوله جل وعلا : (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) أي هم لا يتبعون ما شرع الله لك من الدين القويم بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس من تحريم ما حرموا عليهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، وتحليل أكل الميتة والدم والقمار إلى نحو ذلك من الضلالات والجهالة الباطلة التي كانوا قد اخترعوها في جاهليتهم من التحليل والتحريم والعبادات الباطلة والأقوال الفاسدة.
وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «رأيت عمرو بن لحي بن قمعة يجر قصبه في النار» (٢) لأنه أول من سيب السوائب ، وكان هذا الرجل أحد ملوك خزاعة وهو أول من فعل هذه الأشياء وهو الذي حمل قريشا على عبادة الأصنام لعنه الله وقبحه ولهذا قال تعالى : (وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي لعوجلوا بالعقوبة لولا ما تقدم من الإنظار إلى يوم المعاد (إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي شديد موجع في جهنم وبئس المصير.
ثم قال تعالى : (تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا) أي في عرصات القيامة (وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ) أي الذي يخافون منه واقع بهم لا محالة هذا حالهم يوم معادهم وهم في هذا الخوف والوجل (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) فأين هذا من هذا؟ أين من هو في العرصات في الذل والهوان والخوف المحقق عليه بظلمه ممن هو في روضات الجنات فيما يشاء من مآكل ومشارب وملابس ومساكن ومناظر ومناكح وملاذ فيما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. قال الحسن بن عرفة : حدثنا عمرو بن عبد الرحمن الآبار ، حدثنا محمد بن سعد الأنصاري عن أبي طيبة قال إن الشرب من أهل الجنة لتظلهم السحابة فتقول ما أمطركم؟ قال فما يدعو داع من القوم بشيء إلا أمطرتهم حتى أن القائل منهم ليقول أمطرينا كواعب أترابا. ورواه ابن جرير عن الحسن بن عرفة به ، ولهذا قال تعالى : (ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) أي الفوز العظيم والنعمة التامة السابغة الشاملة العامة.
(ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٢٤)
يقول تعالى لما ذكر روضات الجنات ، لعباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات (ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي هذا حاصل لهم كائن لا محالة ببشارة الله
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ١٣٤.
(٢) أخرجه البخاري في المناقب باب ٩ ، ومسلم في الجنة حديث ٥٠.