رسول الله صلىاللهعليهوسلم الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب «هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله أن لا يدخل مكة بالسلاح إلا بالسيف في القراب ، وأن لا يخرج من أهلها بأحد أراد أن يتبعه ، وأن لا يمنع من أصحابه أحدا إن أراد أن يقيم بها».
فلما دخلها ومضى الأجل أتوا عليا فقالوا : قل لصاحبك اخرج عنا فقد مضى الأجل ، فخرج النبي صلىاللهعليهوسلم فتبعته ابنة حمزة رضي الله عنه تنادي يا عم يا عم ، فتناولها علي رضي الله عنه فأخذ بيدها وقال لفاطمة رضي الله عنها : دونك ابنة عمك فحملتها ، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر رضي الله عنهم فقال علي رضي الله عنه : أنا أخذتها وهي ابنة عمي. وقال جعفر رضي الله عنه : ابنة عمي وخالتها تحتي ، وقال زيد رضي الله عنه : ابنة أخي ، فقضى بها النبيصلىاللهعليهوسلم لخالتها وقال : «الخالة بمنزلة الأم» وقال لعلي رضي الله عنه : «أنت مني وأنا منك» وقال لجعفر رضي الله عنه «أشبهت خلقي وخلقي وقال صلىاللهعليهوسلم لزيد رضي الله عنه : «أنت أخونا ومولانا» قال علي رضي الله عنه : ألا تتزوج ابنة حمزة رضي الله عنه؟ قال صلىاللهعليهوسلم : «إنها ابنة أخي من الرضاعة» تفرد به من هذا الوجه.
وقوله تعالى : (فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) أي فعلم الله عزوجل من الخيرة والمصلحة في صرفكم عن مكة ودخولكم إليها عامكم ذلك ما لم تعلموه أنتم (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ) أي قبل دخولكم الذي وعدتم به في رؤيا النبي صلىاللهعليهوسلم فتحا قريبا ، وهو الصلح الذي كان بينكم وبين أعدائكم من المشركين.
ثم قال تبارك وتعالى مبشرا للمؤمنين بنصرة الرسول صلىاللهعليهوسلم على عدوه ، وعلى سائر أهل الأرض : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِ) أي بالعلم النافع والعمل الصالح ، فإن الشريعة تشتمل على شيئين : علم وعمل ، فالعلم الشرعي صحيح ، والعمل الشرعي مقبول ، فإخباراتها حق وإنشاءاتها عدل (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) أي على أهل جميع الأديان من سائر أهل الأرض من عرب وعجم ومليين ومشركين (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) أي أنه رسوله وهو ناصره ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (٢٩)
يخبر تعالى عن محمد صلىاللهعليهوسلم أنه رسوله حقا بلا شك ولا ريب فقال : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) وهذا مبتدأ وخبر ، وهو مشتمل على كل وصف جميل ، ثم ثنى بالثناء على أصحابه رضي الله عنهم فقال : (وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) كما قال عزوجل : (فَسَوْفَ