[الهمزة : ١] والهمز بالفعل واللمز بالقول ، كما قال عزوجل : (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) [القلم : ١١] أي يحتقر الناس ويهمزهم طاغيا عليهم ويمشي بينهم بالنميمة وهي اللمز بالمقال ، ولهذا قال هاهنا : (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) كما قال : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء : ٢٩] أي لا يقتل بعضكم بعضا.
قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة ومقاتل بن حيان (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) أي لا يطعن بعضكم على بعض (١) ، وقوله تعالى : (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) أي لا تتداعوا بالألقاب ، وهي التي يسوء الشخص سماعها.
قال الإمام أحمد (٢) : حدثنا إسماعيل ، حدثنا داود بن أبي هند عن الشعبي قال : حدثني أبو جبيرة بن الضحاك ، قال فينا نزلت في بني سلمة (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) قال : قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة ، وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة ، فكان إذا دعي أحد منهم باسم من تلك الأسماء ، قالوا : يا رسول الله إنه يغضب من هذا ، فنزلت (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) (٣) ورواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن وهيب عن داود به. وقوله جل وعلا : (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) أي بئس الصفة والاسم الفسوق. وهو التنابز بالألقاب كما كان أهل الجاهلية يتناعتون بعد ما دخلتم في الإسلام وعقلتموه (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ) أي من هذا (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (١٢)
يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن ، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله لأن بعض ذلك يكون إثما محضا ، فليجتنب كثير منه احتياطا وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرا ، وأنت تجد لها في الخير محملا. وقال أبو عبد الله بن ماجة : حدثنا أبو القاسم بن أبي ضمرة نصر بن محمد بن سليمان الحمصي ، حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن أبي قيس النضري ، حدثنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : رأيت النبي صلىاللهعليهوسلم يطوف بالكعبة ويقول : «ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك ، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى حرمة منك ، ماله ودمه وأن يظن به إلا خيرا» (٤) تفرد به ابن ماجة
__________________
(١) انظر تفسير الطبري ١١ / ٣٩١.
(٢) المسند ٤ / ٢٦٠.
(٣) أخرجه أبو داود في الأدب باب ٦٣ ، وابن ماجة في الأدب باب ٣٥.
(٤) أخرجه ابن ماجة في الفتن باب ٢.