بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول في ذلك معناه إلى المائة الألف أو كانوا يزيدون عندكم ، يقول كذلك كانوا عندكم ولهذا سلك ابن جرير هاهنا ما سلكه عند قوله تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) [البقرة : ٧٤] وقوله تعالى : (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) [النساء : ٧٧] وقوله تعالى : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) [النجم : ٩] المراد ليس أنقص من ذلك بل أزيد وقوله تعالى : (فَآمَنُوا) أي فآمن هؤلاء القوم الذين أرسل إليهم يونس عليهالسلام جميعهم (فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) أي إلى وقت آجالهم كقوله جلت عظمته (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) [يونس : ٩٨].
(فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ(١٥٠) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٥٢) أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٥٥) أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ (١٥٦) فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٥٧) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨) سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) (١٦٠)
يقول تعالى منكرا على هؤلاء المشركين في جعلهم لله تعالى البنات سبحانه ولهم ما يشتهون أي من الذكور أي يودون لأنفسهم الجيد (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) [النحل : ٥٨] أي يسوؤه ذلك ولا يختار لنفسه إلا البنين ، يقول عزوجل فكيف نسبوا إلى الله تعالى القسم الذي لا يختارونه لأنفسهم ولهذا قال تعالى : (فَاسْتَفْتِهِمْ) أي سلهم على سبيل الإنكار عليهم (أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ) كقوله عزوجل : (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) [النجم : ٢١ ـ ٢٢].
وقوله تبارك وتعالى : (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ) أي كيف حكموا على الملائكة أنهم إناث وما شاهدوا خلقهم كقوله جل وعلا (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ) [الزخرف : ١٩] أي يسألون عن ذلك يوم القيامة. وقوله جلت عظمته : (أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ) أي من كذبهم (لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللهُ) أي صدر منه الولد (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) فذكر الله تعالى عنهم في الملائكة ثلاثة أقوال في غاية الكفر والكذب ، فأولا جعلوهم بنات الله فجعلوا لله ولدا تعالى وتقدس ، وجعلوا ذلك الولد أنثى ثم عبدوهم من دون الله تعالى وتقدس وكل منها كاف في التخليد في نار جهنم.
ثم قال تعالى منكرا عليهم (أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ) أي أيّ شيء يحمله على أن يختار البنات دون البنين كقوله عزوجل : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً) [الإسراء : ٤٠] ولهذا قال تبارك وتعالى : (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) أي ما لكم عقول تتدبرون بها ما تقولون (أَفَلا تَذَكَّرُونَ أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ) أي حجة على