وروى ابن جرير (١) من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) كل شيء هو من الله. وذلك الاسم فيه اسم من أسمائه ، فذلك جميعا منه ولا ينازعه فيه المنازعون ، واستيقن أنه كذلك. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا محمد بن خلف العسقلاني ، حدثنا الفريابي عن سفيان عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن أبي أراكة قال : سأل رجل عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : مم خلق الخلق؟ قال : من النور والنار والظلمة والثرى. قال : وائت ابن عباس رضي الله عنهما فاسأله ، فأتاه فقال له مثل ذلك ، فقال : ارجع إليه فسله مما خلق ذلك كله. فرجع إليه فسأله فتلا (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) هذا أثر غريب وفيه نكارة (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
وقوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) أي يصفحوا عنهم ويتحملوا الأذى منهم وكان هذا في ابتداء الإسلام ، أمروا أن يصبروا على أذى المشركين وأهل الكتاب ليكون ذلك كالتأليف لهم ، ثم لما أصروا على العناد شرع الله للمؤمنين الجلاد والجهاد. هكذا روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة ، وقال مجاهد : (لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) لا ينالون نعم الله تعالى ، وقوله تبارك وتعالى : (لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي إذا صفحوا عنهم في الدنيا فإن الله عزوجل مجازيهم بأعمالكم السيئة في الآخرة ، ولهذا قال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) أي تعودون إليه يوم القيامة فتعرضون بأعمالكم عليه فيجزيكم بأعمالكم خيرها وشرها ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٦) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧) ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (١٨) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩) هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (٢٠)
يذكر تعالى ما أنعم به على بني إسرائيل من إنزال الكتب عليهم وإرسال الرسل إليهم وجعله الملك فيهم ، ولهذا قال تبارك وتعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أي من المآكل والمشارب (وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) أي في زمانهم (وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ) أي حججا وبراهين وأدلة قاطعات ، فقامت عليهم الحجج ثم اختلفوا بعد ذلك من بعد قيام الحجة ، وإنما كان ذلك بغيا منهم على بعضهم بعضا (إِنَّ رَبَّكَ)
__________________
(١) تفسير الطبري ١١ / ٢٥٥.