وتعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء : ٢١٤] (وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) أي عن هذا القرآن ، وكيف كنتم في العمل به والاستجابة له.
وقوله سبحانه وتعالى : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) أي جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه من عبادة الله وحده لا شريك له ، ونهوا عن عبادة الأصنام والأنداد ، كقوله جلت عظمته : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل : ٣٦] قال مجاهد في قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : واسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك من رسلنا. وهكذا حكاه قتادة والضحاك والسدي عن ابن مسعود رضي الله عنه ، وهذا كأنه تفسير لا تلاوة ، والله أعلم. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : واسألهم ليلة الإسراء ، فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جمعوا له ، واختار ابن جرير (١) الأول ، والله أعلم.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٦) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (٤٧) وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤٨) وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (٤٩) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) (٥٠)
يقول تعالى مخبرا عبده ورسوله موسى عليهالسلام أنه ابتعثه إلى فرعون وملئه من الأمراء والوزراء والقادة والأتباع والرعايا من القبط وبني إسرائيل يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، وينهاهم عن عبادة ما سواه ، وأنه بعث معه آيات عظاما كيده وعصاه ، وما أرسل معه من الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ، ومن نقص الزروع والأنفس والثمرات ، ومع هذا كله استكبروا عن اتباعها والانقياد لها ، وكذبوها وسخروا منها وضحكوا ممن جاءهم بها (وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها) ومع هذا ما رجعوا عن غيهم وضلالهم ، وجهلهم وخبالهم وكلما جاءتهم آية من هذه الآيات يضرعون إلى موسى عليه الصلاة والسلام ويتلطفون له في العبارة بقولهم : (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ) أي العالم ، قاله ابن جرير (٢).
وكان علماء زمانهم هم السحرة. ولم يكن السحر في زمانهم مذموما عندهم فليس هذا منهم على سبيل الانتقاص منهم لأن الحال حال ضرورة منهم إليه لا تناسب ذلك ، وإنما هو تعظيم في زعمهم ، ففي كل مرة يعدون موسى عليهالسلام إن كشف عنهم هذا أن يؤمنوا به ويرسلوا معه بني إسرائيل وفي كل مرة ينكثون ما عاهدوا عليه ، وهذا كقوله تبارك وتعالى :
__________________
(١) تفسير الطبري ١١ / ١٩٢.
(٢) تفسير الطبري ١١ / ١٩٤.