يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) [المائدة : ٥٤] وهذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديدا عنيفا على الكفار ، رحيما برا بالأخيار ، غضوبا عبوسا في وجه الكافر ضحوكا بشوشا في وجه أخيه المؤمن كما قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) [التوبة : ١٢٣] وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» (١). وقال صلىاللهعليهوسلم : «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» (٢). وشبكصلىاللهعليهوسلم بين أصابعه ، كلا الحديثين في الصحيح.
وقوله سبحانه وتعالى : (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) وصفهم بكثرة العمل وكثرة الصلاة وهي خير الأعمال ، ووصفهم بالإخلاص فيها لله عزوجل والاحتساب عند الله تعالى جزيل الثواب ، وهو الجنة المشتملة على فضل الله عزوجل وهو سعة الرزق عليهم ورضاه تعالى عنهم ، وهو أكبر من الأول كما قال جل وعلا : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) [التوبة : ٧٢].
وقوله جل جلاله : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ) يعني السمت الحسن (٣). وقال مجاهد وغير واحد : يعني الخشوع والتواضع. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا حسين الجعفي عن زائدة عن منصور عن مجاهد (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) قال : الخشوع. قلت : ما كنت أراه إلا هذا الأثر في الوجه ، فقال : ربما كان بين عيني من هو أقسى قلبا من فرعون. وقال السدي : الصلاة تحسن وجوههم ، وقال بعض السلف : من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ، وقد أسنده ابن ماجة في سننه عن إسماعيل بن محمد الطلحي عن ثابت بن موسى عن شريك ، عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار» (٤) والصحيح أنه موقوف. وقال بعضهم : إن للحسنة نورا في القلب وضياء في الوجه وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الناس.
وقال أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه : ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه وفلتات لسانه ، والغرض أن الشيء الكامن في النفس يظهر على صفحات الوجه ، فالمؤمن إذا كانت سريرته صحيحة مع الله تعالى أصلح الله عزوجل ظاهره للناس ، كما
__________________
(١) أخرجه البخاري في الأدب باب ٢٧ ، ومسلم في البر حديث ٦٦ ، ٦٧.
(٢) أخرجه البخاري في المظالم باب ٥ ، ومسلم في البر حديث ٦٥.
(٣) انظر تفسير الطبري ١١ / ٣٧٠.
(٤) أخرجه ابن ماجة في الإقامة باب ١٧٤.