طائفة من أمتي ظاهرين على الناس يزيغ الله تعالى قلوب أقوام ، فيقاتلونهم ويرزقهم الله منهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ، ألا إن عقد دار المؤمنين بالشام والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» (١) وهكذا رواه النسائي من طريقين عن جبير بن نفير عن سلمة بن نفيل السكوني به.
وقال أبو القاسم البغوي : حدثنا داود بن رشيد ، حدثنا الوليد بن مسلم عن محمد بن مهاجر ، عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال : لما فتح على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فتح قالوا يا رسول الله سيبت الخيل ووضعت السلاح ووضعت الحرب أوزارها قالوا لا قتال قال : «كذبوا الآن جاء القتال ، لا يزال الله تعالى يرفع قلوب قوم يقاتلونهم فيرزقهم منهم حتى يأتي أمر الله ، وهم على ذلك وعقر دار المسلمين بالشام». وهكذا رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي عن داود بن رشيد به ، والمحفوظ أنه من رواية سلمة بن نفيل كما تقدم ، وهذا يقوي القول بعدم النسخ كأنه شرع هذا الحكم في الحرب إلى أن لا يبقى حرب. وقال قتادة (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) حتى لا يبقى شرك ، وهذا كقوله تعالى : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) [الأنفال : ٣٩]. ثم قال بعضهم : (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) أي أوزار المحاربين وهم المشركون بأن يتوبوا إلى الله عزوجل ، وقيل أوزار أهلها بأن يبذلوا الوسع في طاعة الله تعالى. وقوله عزوجل : (ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ) أي هذا ولو شاء الله لانتقم من الكافرين بعقوبة ونكال من عنده (وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) أي ولكن شرع لكم الجهاد وقتال الأعداء ليختبركم ، ويبلو أخباركم كما ذكر حكمته في شرعية الجهاد في سورتي آل عمران وبراءة في قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران : ١٤٢].
وقال تبارك وتعالى في سورة براءة : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة : ١٤ ـ ١٥] ثم لما كان من شأن القتال أن يقتل كثير من المؤمنين قال : (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) أي لن يذهبها بل يكثرها وينميها ويضاعفها.
ومنهم من يجري عليه عمله في طول برزخه ، كما ورد بذلك الحديث الذي رواه الإمام أحمد(٢) في مسنده حيث قال : حدثنا زيد بن يحيى الدمشقي ، حدثنا ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن كثير بن مرة عن قيس الجذامي ـ رجل كانت له صحبة ـ قال : قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم «يعطى الشهيد ست خصال : عند أول قطرة من دمه تكفر عنه كل خطيئة ، ويرى مقعده من
__________________
(١) أخرجه النسائي في الخيل باب ٧.
(٢) المسند ٤ / ٢٠٠.