يأتي كلّ عضو من الغذاء بقدر عظمه وصغره ، ويلصق به منه بمقدار يناسب له على السواء، وأمّا الثاني فيسلب جانبا من البدن من الغذاء ما يحتاج إليه لزيادة في جهة أخرى ، فيلصقه بتلك الجهة ليزيد تلك الجهة فوق زيادة جهة أخرى.
فصل
المتغذّي في أوّل الأمر يقوى على تحصيل مقدار أكثر ممّا يتحلل ، لصغر الجثّة ، وكثرة الأجزاء الرطبة فيها ، فيعمل النامي فيما فضل عن الغذاء ، ثمّ يعجز المتغذّي عن ذلك لكبر الجثّة ، وزيادة الحاجة ، لنفاد أكثر الرطوبات الأصلية الصالحة لتغذية الحرارة الغريزية ، فيصير ما يحصّله مساويا لما يتحلّل ، وحينئذ يقف النامي ، وعند القرب من تمام النموّ تتفرّغ النفس للتوليد فيقوى المولّد حينا من الدهر.
ثمّ إذا عجز المتغذّي عن إيراد بدل ما يتحلّل بحيث لم يفضل شيء يتصرّف المولد فيه ، أو انحرف المزاج بسبب الانحطاط المفرط ، فصارت المادّة غير مستعدّة لذلك ، وقف المولد أيضا ، ويبقى المتغذّي عمّالا إلى أن يعجز ، فيحل الأجل لسرعة تحلل الأجزاء ، وانحراف المزاج عن الاعتدال وانطفاء الحرارة الغريزية ؛ لعدم غذائها ، ووجود ما يضادّها.
وإنما لم يصل المدد من الله سبحانه إلى هذه القوى بعد عجزها كما يصل إلى القوى الفلكية ؛ لعدم احتياج النفس إلى البدن بعد ذلك ؛ لتجوهرها ، وفعليتها ، وتوجّهها إلى نشأة أخرى.