للمعلومية والشعور لغاية خسّتها ، وقصورها ، وكونها مناط الجهل ، فلا يمكن حضور ذاتها عند العالم ، بل إنّما يمكن حضور صورتها ، فالصورة فيها أقوى من ذات المعلوم في باب العلم، بل صورتها علم ، ومعلومها ليس بعلم ، فكما أن وجودها كلا وجود ، فكذلك العلم بها كلا علم.
وهذا بخلاف المفارقات عن المادة ، فإنّ ذات المعلوم هناك أقوى في باب العلم ، بل الصورة فيها ليست علما بها ، بل بوجه من وجوهها ، كذا أفاد أستاذنا (١) ـ دام ظله ـ ، وقد مضى تحقيق ذلك في الأصول.
فصل
قد احتاجت الصورة النباتية إلى التغذّي من وجه آخر غير النموّ ؛ وذلك لأن الجسم النامي ، وسيّما الحيوان منه ، أبدا في التحلل والذوبان ؛ لاستيلاء الحرارة الغريزية عليه ، الحاصلة فيه من نار الطبيعة الكائنة في مركبات هذا العالم شأنها النضج والتحليل ، كمثال نار الجحيم في قوله سبحانه : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) (٢).
وقد تستولي الحرارة الغريبة ـ أيضا ـ عليه ، فتحلله ، والحركات البدنية والنفسانية أيضا محللة جدا ، فلا بد إذن من أن يتخلّف بدل ما يتحلل عنه ، آنا فآنا ، ولحظة فلحظة، وما ذلك إلّا بالتغذّي ، فالاحتياج إلى المتغذّي باق إلى آخر العمر.
وأما إلى النامي فليس إلّا إلى البلوغ إلى كمال النشوء ، وشأن الأوّل أن
__________________
(١) ـ أنظر : الأسفار الأربعة : ٨ : ٦١ ، ذيل البرهان على تعدد القوى.
(٢) ـ سورة النساء ، الآية ٥٦.