فمنها ما قياسه من البدن قياس الأساس ، وعليه مبناه ، ومنها ما قياسه قياس المجن والوقاية ، ومنها ما هو كالسلاح الّذي يدفع به المصادم ، ومنها ما هو حشو بين فرج المفاصل ، ومنها ما هو متعلّق العضلات المحتاجة إلى علاقة.
وجملة العظام دعامة وقوام للبدن ؛ ولهذا خلقت صلبة.
ثمّ ما لا منفعة فيه ـ سوى هذه ـ خلق مصمتا ، وإن كان فيه المسام والخلل التي لا بدّ منها ، وما يحتاج إليه لأجل الحركة أيضا ، فقد زيد في تجويفه ، وجعل تجويفه في الوس ، واحدا ، ليكون جرمه غير محتاج إلى مواقف الغذاء المتفرقة ، فيصير رخوا ، بل صلّب جرمه وجمع غذاؤه ، وهو المخ ، في حشوه.
ففائدة زيادة التجويف أن يكون أخف ، وفائدة توحيد التجويف أن يبقى جرمه أصلب ، وفائدة صلابة جرمه أن لا ينكسر عند الحركات العنيفة ، وفائدة المخ فيه ليغذوه ، وليرطبه دائما ، فلا يتفتّت بتجفيف الحركة ، وليكون وهو مجوّف كالمصمت ، والتجويف يقلّ إذا كانت الحاجة إلى الوثاقة أكثر ، ويكثر إذا كانت الحاجة إلى الخفّة أكثر.
وخلق بعضها مشاشية لأمر الغذاء المذكور ، مع زيادة حاجة بسبب شيء يجب أن ينفذ فيها ، كالرائحة المستنشقة مع الهواء في العظم الّتي تحت الدماغ ، ولفضول الدماغ المدفوعة فيها.
والعظام كلّها متجاورة ، متلاقية ، ليس بين شيء منها وبين الّذي يليه مسافة كثيرة ، وإنما لم يجعل كلّ ما في البدن منها عظما واحدا ؛ لئلّا يشمل البدن ما أصابته من آفة ، أو كسر ، وليكون لأجزاء البدن حركات مختلفة ، متفنّنة ، ولهذا هيّأ كلّ واحد منها بالشكل الموافق لما أريد به ، ووصل ما يحتاج منها إلى أن يتحرك في بعض الأحوال معا ، وفي بعضها فرادى برباط أنبته من أحد طرفي