العظم ، ووصل بالطرف الآخر ، وهو جسم أبيض عديم الحسّ ، فجعل لأحد طرفي العظمين زوائد ، وفي الآخر قعرا موافقة لدخول هذه الزوائد وتمكّنها فيها ، والنابت بهذه الهيئة بين العظام مفاصل ، وصار للأعضاء من أجل المفاصل أن يتحرّك منها بعض دون بعض ، ومن أجل الرّبط المواصلة بين العظام أن يتحرّك معا ، كعظم واحد ، فتبارك الله من حكيم ما أحكمه.
فصل
ومن أجل أن العظام وسائر الأعضاء ، ليس لها أن تتحرك بذاتها ، بل بمحرّك ، وعلى سبيل جهة الانفعال ، وصل بها من مبدأ الحسّ والحركة وينبوعهما الّذي هو الدماغ ، وصولا ، وهذه الوصول هي العصب ، وهو جوهر لدن ، علك ، مستطيل ، مصمت عند الحسّ ، غير العصبة المجوّفة الّتي في العين ، فائدته بالذات إفادة الدماغ بتوسّطه لسائر الأعضاء حسّا وحركة ، وبالعرض تشديد اللحم وتقوية البدن.
وليس تتّصل بالعظم مفردة ، ولكن بعد اختلاطها باللحم والرباط ؛ وذلك لأنّ الأعصاب لو اتّصلت مفردة بعضو عظيم لكانت إمّا أن لا تقدر على أن تحرّكه البتّة ، وإما أن يكون تحريكها له تحريكا ضعيفا ، وخصوصا عندما تتوزّع وتنقسم وتنشعب في الأعضاء ، وتصير حصّة العضو الواحد أدقّ كثيرا من الأصل ، وعندما يتباعد عن مبدئه ومنبته ، ومن أجل ذلك ينقسم العصب قبل بلوغه إلى العضو الّذي أريد تحريكه به ، وينسج فيما بين تلك الأقسام اللحم وشظايا من الرباط ، فيتكوّن من جميع ذلك شيء يسمى عضلا ، ويكون عظمه ، وصغره ، وشكله ، بمقدار العضو الّذي أريد تحريكه ، وبحسب الحاجة إليه ،