فصل
وأمّا هيئة الصدر ، فبيانها : أن تجويف البطن كله ، من لدن الترقوة إلى عظم الخاصرة، ينقسم إلى تجويفين عظيمين ، أحدهما فوق ، يحوي الرئة ، والقلب ، والثاني أسفل يحوي المعدة ، والأمعاء ، والكبد ، والطحال ، والمرارة ، والكلى ، والمثانة ، والأرحام ، ويفصل بين هذين التجويفين العضو المسمى بالحجاب ، وهذا الحجاب يأخذ من رأس القصّ ، ويمرّ بتأريب إلى أسفل ، في كلّ واحد من الجانبين حتّى يتصل بفقار الظهر عند الفقرة الثانية عشر ، ويصير حاجزا بين ما فوقه وما تحته.
ثمّ ينقسم هذا التجويف الأرفع إلى قسمين يفصل بينهما حجاب آخر ، ويمر في الوسط حتّى يلصق ـ أيضا ـ بفقار الظهر ، ويسمى هذا التجويف الأعلى كله صدرا ، وحدّه من فوق الترقوتين إلى الحجاب القاسم للبطن عرضا.
وإنما خلق الصدر من أجل التنفّس ؛ وذلك لأنّه إذا انبسط جذب الرئة وبسطها ، وإذا انبسطت الرئة اجتذبت الهواء من خارج ، وكان ذلك أحد جزئي التنفس ، وهو تنشق الهواء ، ثمّ إنّ الصدر ينقبض فيقبض الرئة ، ويكون بانقباضها إخراج النفس ، وهو الجزء الثاني.
وإنما احتيج إلى تنشق الهواء الخارج ، ثمّ إخراجه ؛ لترويح القلب ، وتعديل حرارته ، وإمداد الروح بجوهر ملائم له ، فإنّ الهواء يصير مركّبا للروح ، منفذا له ، مثل ما يصير الماء المشروب مركّبا للغذاء ، فالهواء الّذي يستنشق يصل منه شيء إلى القلب في المنافذ الّتي بينها وبين القلب ، فإذا سخن ذلك الهواء الّذي اجتذب احتيج إلى إخراجه والاستبدال به ، فانقبض الصدر وقبض الرئة ، ثمّ عاد